للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ مُمْتَنِعٌ، وَكَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْمَيْنِ فِي شَرِيعَتِنَا وَالتَّكْلِيفُ بِالِاجْتِهَادِ يُفِيدُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ كُلِّفُوا (لِأَنَّهُ إنْ أَخْطَأَ، فَهُوَ مُصِيبٌ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ وَلَهُ الْأَجْرُ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْقِبْلَةِ فَإِنَّ فَسَادَ صَلَاةِ مَنْ خَالَفَ الْإِمَامَ عَالِمًا يَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِنَا، فَأَمَّا عَدَمُ إعَادَةِ الْمُخْطِئِ لِلْكَعْبَةِ فَلِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لَكِنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهَا وَسِيلَةً إلَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى فَأُقِيمَ غَلَبَةُ ظَنِّ إصَابَتِهَا مَقَامَ إصَابَتِهَا، ثُمَّ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْمُخْطِئِ فَعِنْدَ الْبَعْضِ مُخْطِئٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ وَبِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ إطْلَاقِ الْخَطَأِ فِي الْحَدِيثِ «وَلِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي أُسَارَى بَدْرٍ حِينَ

ــ

[التلويح]

مُمْتَنِعٌ لِاسْتِلْزَامِهِ اتِّصَافَ الشَّيْءِ بِالنَّقِيضَيْنِ وَالْمُمْتَنِعُ لَا يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا.

فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَخْصَيْنِ، فَإِنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُتَنَافِيَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَخْصَيْنِ أَيْضًا مُمْتَنِعٌ فِي شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ مَبْعُوثٌ إلَى النَّاسِ كَافَّةً دَاعٍ لَهُمْ إلَى الْحَقِّ بِصَرِيحِ النُّصُوصِ، أَوْ مَعْنَاهَا مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ الْأَشْخَاصِ لِدُخُولِهِمْ فِي الْعُمُومَاتِ عَلَى السَّوَاءِ، وَلَا يَخْفَى ابْتِنَاءُ هَذَا الْجَوَابِ عَلَى أَنَّ الثَّابِتَ بِالْقِيَاسِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، وَأَنَّ الْحَقَّ فِي الِاجْتِهَادِيَّات الثَّابِتَةِ بِالنُّصُوصِ وَاحِدٌ إجْمَاعًا وَالْأَصْوَبُ أَنْ يُقَالَ: يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَنَافِيَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ فِيمَا إذَا اسْتَفْتَى عَامِّيٌّ لَمْ يَلْتَزِمْ تَقْلِيدَ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ مُجْتَهِدَيْنِ حَنَفِيًّا وَشَافِعِيًّا فَأَفْتَاهُ أَحَدُهُمَا بِإِبَاحَةِ النَّبِيذِ وَالْآخَرُ بِحُرْمَتِهِ، وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا عِنْدَهُ، وَلَمْ يَسْتَقِرَّ عِلْمُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُمَا وَأَيْضًا إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِ، فَإِنَّ فِي الْأَوَّلِ حَقًّا لَزِمَ اجْتِمَاعُ الْمُتَنَافِيَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَإِلَّا لَزِمَ النَّسْخُ بِالِاجْتِهَادِ، وَكَذَا الْمُقَلِّدُ إذَا صَارَ مُجْتَهِدًا.

(قَوْلُهُ: وَالتَّكْلِيفُ) جَوَابٌ عَنْ تَمَسُّكِهِمْ بِأَنَّهُ لَوْ اتَّحَدَ الْحَقُّ لَزِمَ التَّكْلِيفُ بِمَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ مُكَلَّفٌ بِإِصَابَةِ الْحَقِّ بَلْ هُوَ مُكَلَّفٌ بِالِاجْتِهَادِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ، وَالِاجْتِهَادُ حَقٌّ نَظَرًا إلَى رِعَايَةِ شَرَائِطِهِ بِقَدْرِ الْوُسْعِ سَوَاءٌ أَدَّى إلَى مَا هُوَ حَقٌّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ خَطَأٌ وَالتَّكْلِيفُ بِهِ يُفِيدُ الْأَجْرَ وَوُجُوبَ الْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ، فَلَا يَلْزَمُ الْعَبَثُ.

فَإِنْ قِيلَ: الْمُجْتَهِدُ مَأْمُورٌ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَكُلُّ مَا أَمَرَ بِهِ، فَهُوَ حَقٌّ.

أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَكْفِي فِي الْمَأْمُورِ بِهِ أَنْ يَكُونَ حَقًّا بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ وَبِحَسَبِ ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا إذَا قَامَ نَصٌّ عَلَى خِلَافِ رَأْيِ الْمُجْتَهِدِ لَكِنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ بَعْدَ اسْتِفْرَاغِ الْجَهْدِ فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>