للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

كمْ مَنْزِلٍ للمَرءِ يَألفُهُ الفتى … وحنينُه أبداً لأوَّل مَنْزِل

ولبعض شيوخنا (١):

فحيَّ على جنَّاتِ عدنٍ فإنَّها … منازِلُكَ الأولى وفيها المُخَيَّم

ولكنَّنا سَبيُ العدوِّ فَهلْ تَرَى … نَعودُ إلى أوطاننا ونُسلِّمُ

وقَدْ زَعَموا أنَّ الغَريبَ إذا نَأى … وشَطَّتْ به أوطانُه فهو مُغرَمُ

وأيُّ اغْترابٍ فوق غُربتنا التي … لها أضحَت الأعداءُ فينا تَحَكَّمُ

كان عطاء السَّلِيمي يقول في دعائه: اللهمَّ ارحم في الدُّنيا غُربتي، وارحم في القبر وحشتي، وارحم موقفي غداً بين يديك (٢).

قالَ الحسنُ: بلغني أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: «إنَّما مثلي ومثلُكم ومَثلُ الدُّنيا، كقوم سلكوا مفازةً غبراءَ، حتّى إذا لم يَدْرُوا ما سلكوا منها أكثر، أو ما بقي، أنفدوا الزَّادَ، وحَسَروا الظَّهر، وبقُوا بين ظهراني المفازة لا زادَ ولا حَمُولة، فأيقنوا بالهَلَكة، فبينما هم كذلك، إذ خرج عليهم رجلٌ في حُلَّةٍ يقطُرُ رأسُه، فقالوا: إن هذا قريبُ عهدٍ بريفٍ، وما جاءكم هذا إلاّ من قريبٍ،

فلما انتهى إليهم، قال: علام أنتم؟ قالوا: على ما ترى، قالَ: أرأيتُكم إنْ هديتُكم إلى ماءٍ رواء، ورياضٍ خُضر، ما تعملون؟ قالوا: لا نعصيك شيئاً، قال: عُهودَكم ومواثيقكم بالله، قال: فأَعْطَوهُ عهودَهُم ومواثيقهُم بالله لا يَعصُونَه شيئاً، قال: فأوردهم ماءً، ورياضاً خُضراً، فمكث فيهم ما شاء الله، ثم قال: يا هؤلاء الرحيلَ، قالوا: إلى أين؟ قال: إلى ماءٍ ليس كمائكم، وإلى رياضٍ ليست كرياضِكُم، فقال جُلُّ القوم - وهم أكثرهم -: والله ما وجدنا هذا حتّى ظننّا أنْ لن نَجِدَهُ، وما نصنع بعيشٍ خيرٍ من هذا؟ وقالت طائفة - وهم أقلهم -: ألم تُعطوا هذا الرَّجُلَ عهودكم ومواثيقكم بالله لا تَعصونه شيئاً وقد صدقكم في أوّل حديثه، فوالله ليصدقنَّكم في آخره، قال: فراح فيمن اتبعه، وتخلَّف


(١) عزاه ابن كثير لابن القاسم. انظر: تفسير ابن كثير ١/ ٨٢.
(٢) أخرجه: أبو نعيم في " حلية الأولياء " ٦/ ٢٢٤.

<<  <   >  >>