للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أنّ ما لم يجِد تحريمه، فليس بمحرَّمٍ، وكذلك قوله: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (١)، فعنفهم على تركِ الأكل ممّا ذُكِرَ اسمُ الله عليه، معلِّلاً بأنَّه قد بيَّن لهمُ الحرامَ، وهذا ليس منه، فدلَّ على أنَّ الأشياء على الإباحة، وإلاَّ لمَا أَلحَقَ اللَّومَ بمن امتنع من الأكل ممَّا لم ينصَّ له على حِلِّه بمجرَّد كونه لم ينصَّ على تحريمه.

واعلم أنَّ هذه المسألة غيرُ مسألةِ حُكم الأعيان قبل وُرود الشَّرع: هل هو الحظرُ أو الإباحة، أو لا حُكم فيها؟ فإنَّ تلك المسألة مفروضةٌ فيما قبل وُرودِ الشَّرع (٢)، فأمَّا بعد وُروده فقد دلت هذه النُّصوصُ وأشباهُها على أنَّ حكم ذلك الأصل زال واستقرَّ أنَّ الأصل في الأشياء الإباحة بأدلَّة الشَّرع. وقد حكى بعضُهم الإجماع على ذلك، وغلَّطوا من سوَّى بين المسألتين، وجعل حكمهما واحداً.

وكلام الإمام أحمد يدلُّ على أنَّ ما لا يدخل في نصوص التَّحريم، فإنَّه معفوٌّ عنه (٣). قال أبو الحارث: قلت لأبي عبد الله - يعني: أحمد -: إنَّ أصحاب الطَّير يذبَحُون مِنَ الطير شيئاً لا نعرفه، فما ترى في أكله؟ فقال: كل ما لم يكن ذا مِخلَبٍ أو يأكلُ الجِيفَ، فلا بأس به، فحصر تحريمَ الطير في ذي المخلب المنصوص عليه، وما يأكل الجِيفَ؛ لأنَّه في معنى الغراب المنصوص عليه (٤) وحكم بإباحة ما عداهما. وحديث ابن عباس (٥) الذي سبق ذكره يدلُّ على مثل هذا، وحديث سلمان الفارسي (٦) فيه النهي عن السؤال عن الجبن والسمن والفراء، فإنَّ الجبن كان يُصنعُ بأرضِ المجوس ونحوهم من الكُفَّارِ، وكذلك السَّمن، وكذلك الفراء تُجلب من عندِهم، وذبائحهم ميتةٌ، وهذا مما يستدلُّ به على إباحة لبن الميتة وأنفحتها، وعلى إباحة أطعمة المجوس، وفي ذلك كُلِّه خلافٌ مشهورٌ، ويُحملُ على أنَّه إذا اشتبه الأمرُ، لم


(١) الأنعام: ١١٩.
(٢) من قوله: «هل هو الحظر … » إلىهنا سقط (ص).
(٣) انظر: التبصرة في أصول الفقه: ٨٠ - ٨١، وميزان الأصول: ١٩٣ - ١٩٤، وشرح الكوكب المنير ١/ ٥٠٠ - ٥٠٤.
(٤) من قوله: «وما يأكل الجيف … » إلى هنا سقط من (ص).
(٥) سبق تخريجه.
(٦) سبق تخريجه.

<<  <   >  >>