للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقد تُسمى العقوباتُ المقدرة الرادعةُ عن المحارم المغلظة حدوداً، كما يقال: حدُّ الزنى، وحدُّ السرقة، وحدُّ شرب الخمر، ومنه قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأسامة: «أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟» (١)، يعني: في القطع في السَّرقة. وهذا هو المعروف من اسم الحدود في اصطلاح الفقهاء.

وأمَّا قولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يُجْلَدُ فَوقَ عشرِ جلدات إلا في حدٍّ مِنْ حُدودِ اللهِ» (٢) فهذا قد اختلف الناسُ في معناه، فمنهم من فسر الحدود هاهنا بهذه الحدود المقدرة، وقال: إنَّ التَّعزير لا يُزاد على عشرِ جلدات، ولا يُزادُ عليها إلاَّ في هذه الحدود المقدَّرة، ومنهم من فسَّر الحدودَ هاهنا بجنس محارمِ الله، وقال: المرادُ أنَّ مجاوزة العشر جلداتٍ لا يجوزُ إلا في ارتكاب محرَّم مِنْ محارم الله، فأمَّا ضربُ التَّأديبِ على غير محرَّمٍ، فلا يتجاوز به عشر جلدات (٣).

وقد حمل بعضُهم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «وحدَّ حُدُوداً فلا تعتدوها» على هذه العقوبات

الزَّاجرة عَنِ المحرَّمات، وقال: المراد النَّهيُ عن تجاوُزِ هذه الحدود وتعديها عند إقامتها على أهل الجرائم. ورجَّح ذلك بأنَّه لو كان المراد بالحدود الوقوف عند الأوامر والنَّواهي لكان تكريراً لقوله: «فرض فرائضَ فلا تُضيِّعُوها، وحرَّم أشياء، فلا تنتهكوها» وليس الأمر على ما قاله، فإنَّ الوقوفَ عندَ الحُدودِ يقتضي أنَّه لا يخرج عمَّا أذِنَ فيه إلى ما نهى عنه، وذلك أعمُّ من كونِ المأذون فيه فرضاً، أو ندباً، أو مباحاً كما تقدَّم، وحينئذٍ فلا تكريرَ في هذا الحديث، والله أعلم.

وأمَّا المسكوتُ عنه، فهو ما لم يُذكَرْ حكمُه بتحليلٍ، ولا إيجابٍ، ولا تحريمٍ، فيكون معفوَّاً عنه، لا حرجَ على فاعلِهِ، وعلى هذا دلَّت هذه الأحاديثُ المذكورة هاهنا، كحديث أبي ثعلبة وغيره.


(١) أخرجه: عبد الرزاق (١٨٨٣٠)، وأحمد ٦/ ١٦٢، والدارمي (٢٣٠٧)، والبخاري ٤/ ٢١٣ (٣٤٧٥) و ٨/ ١٩٩ (٦٧٨٨)، ومسلم ٥/ ١١٤ (١٦٨٨) (٨) و (٩) و ٥/ ١١٥ (١٦٨٨) (١٠) من حديث عائشة، به. وهو جزء من حديث طويل.
(٢) أخرجه: البخاري ٨/ ٢١٥ (٦٨٤٨)، ومسلم ٥/ ١٢٦ (١٧٠٨) (٤٠)، وأبو داود
(٤٤٩١) من حديث أبي بردة، به.
(٣) انظر: معالم السنن ٣/ ٢٩٤، وعون المعبود ١٢/ ٢٠١ - ٢٠٢.

<<  <   >  >>