للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

وقال: مَنْ فعل ذلك عاش بخير، وماتَ بخير، وكان من خطيئته كيومَ ولدته أمه.

وهذه كلها مع تكفيرها للسيئات ترفعُ الدرجات، ويحصل عليها الثوابُ، لأنَّا نقول: قد يجتمع في العمل الواحد شيئانِ يُرفعُ بأحدهما الدرجات، ويُكفر بالآخر السيئات، فالوضوء نفسه يُثاب عليه، لكن إسباغَه في شدَّة البردِ من جنس الآلام التي تحصل للنفوس في الدنيا، فيكون كفارةً في هذه الحال، وأما في غير هذه الحالة، فتغفر به الخطايا، كما تغفر بالذكر وغيره، وكذلك المشي إلى الجماعات هو قُربةٌ وطاعةٌ، ويُثاب عليه، ولكن ما يحصل للنفس به مِنَ المشقة والألم بالتعب والنصب هو كفارة،

وكذلك حبسُ النفس في المسجد لانتظار الصلاة وقطعها عن مألوفاتها من الخروج إلى المواضع التي تميل النفوس إليها، إما لكسب الدنيا أو للتنَزُّه، هو مِنْ هذه الجهة مؤلم للنفس، فيكونُ كفارةً (١).

وقد جاء في الحديث أنَّ إحدى خطوتي الماشي إلى المسجد ترفعُ له درجةً، والأخرى تحطُّ عنه خطيئة (٢). وهذا يُقوِّي ما ذكرناه، وأنَّ ما حصل به التكفيرُ غيرُ

ما حصل به رفعُ الدَّرجات، والله أعلم.

وعلى هذا، فيجتمع في العمل الواحد تكفيرُ السيِّئات، ورفعُ الدرجات من

جهتين، ويُوصَفُ في كلِّ حال بكلا الوصفين، فلا تنافيَ بين تسميته كفارةً وبين الإخبار عنه بمضاعفة الثواب به، أو وصفه برفع الدرجات، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -


(١) أخرجه: مالك (٤٤٥) برواية يحيى الليثي، وعبد الرزاق (١٩٩٣)، وأحمد ٢/ ٢٣٥ و ٢٧٧ و ٣٠١، ومسلم ١/ ١٥٠ (٢٥١) (٤١)، والترمذي (٥١)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط».
(٢) أخرجه: الطيالسي (٢٤١٢) و (٢٤١٤)، وأحمد ٢/ ٢٥٢، والبخاري ١/ ١٢٩ (٤٧٧) و ١/ ١٦٦ (٦٤٧) و ٣/ ٨٦ (٢١١٩)، ومسلم ٢/ ١٢٨ (٦٤٩) (٢٧٢)، وأبو داود (٥٥٩)، وابن ماجه (٢٨١) و (٧٧٤) والترمذي (٦٠٣)، وابن حبان (٢٠٤٣)، والبيهقي ٣/ ٦١، والبغوي (٤٧١) من حديث أبي هريرة مرفوعاً.

<<  <   >  >>