للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

بعضهم لرجلٍ: هل أذنبت ذنباً؟ قال: نعم، قال: فعلمتَ أنَّ الله كتبه عليك؟ قال: نعم، قال: فاعمل حتّى تعلمَ أنَّ الله قد محاه. ومنه قولُ ابن مسعود: إنَّ المؤمن يرى ذنوبه كأنَّه في أصل جبل يخاف أنْ يقع

عليه، وإنَّ الفاجر يرى ذنوبَه كذُبابٍ طار على أنفه، فقال به هكذا. خرَّجه البخاري (١).

وكانوا يتَّهمُون أعمالهم وتوباتهم، ويخافون أنْ لا يكونَ قد قُبِلَ منهم ذلك، فكان ذلك يُوجِبُ لهم شدَّةَ الخوف، وكثرةَ الاجتهاد في الأعمال الصالحة.

قال الحسن: أدركتُ أقواماً لو أنفق أحدهم ملءَ الأرض ما أمِنَ لِعظم الذنب في نفسه (٢). وقال ابنُ عون: لا تَثِقْ بكثرة العمل، فإنَّك لا تدري أيُقبل منك أم لا، ولا تأمن ذنوبك، فإنَّك لا تدري كُفِّرَتْ عنك أم لا، إنَّ عملك مُغَيَّبٌ عنك

كله.

والأظهر - والله أعلم - في هذه المسألة - أعني: مسألة تكفير

الكبائر بالأعمال - أنَّه إنْ أُريدَ أنَّ الكبائر تُمحى بمجرَّد الإتيان بالفرائضِ،

وتقع الكبائر مكفرة بذلك كما تُكفَّرُ الصَّغائر باجتناب الكبائر، فهذا باطلٌ.

وإنْ أريدَ أنَّه قد يُوازن يومَ القيامة بين الكبائر وبينَ بعض الأعمال، فتُمحى

الكبيرة بما يُقابلها من العمل، ويَسقُطُ العمل، فلا يبقى له ثوابٌ، فهذا قد

يقع.

وقد تقدَّم عن ابنِ عمرَ أنَّه لمَّا أعتق مملوكَه الذي ضربه، قال: ليس لي فيه مِنَ الأجر

شيءٌ، حيث كان كفارةً لذنبه، ولم يكن ذنبُه مِنَ الكبائر، فكيف بما كان من الأعمال مكفراً للكبائر؟

وسبق أيضاً قولُ مَنْ قالَ مِنَ السَّلف: إنَّ السيئة تمحى، ويسقط نظيرها حسنة من الحسنات التي هي ثواب العمل، فإذا كانَ هذا في الصغائر، فكيف بالكبائر؟ فإنَّ بعضَ الكبائر قد يُحبِطُ بعضَ الأعمال المنافية لها، كما يُبطل المنُّ والأذى الصدقةَ، وتُبطلُ المعاملة بالرِّبا الجهادَ كما قالت عائشة (٣).


(١) أخرجه: البخاري ٨/ ٨٣ - ٨٤ (٦٣٠٨). =
= … وأخرجه: عبد الله بن المبارك في " الزهد " (٦٨) و (٦٩)، وأحمد ١/ ٣٨٣، والترمذي
(٢٤٩٧)، وأبو نعيم في " الحلية " ٤/ ١٢٩، والبيهقي في ١٠/ ١٨٨ - ١٨٩ وفي " شعب الإيمان "، له (٧١٠٤).
(٢) أخرجه: عبد الله بن المبارك في " الزهد " (١٦٠).
(٣) أخرجه: الدارقطني ٣/ ٤٦، والبيهقي ٥/ ٣٣٠، عن أبي إسحاق السبيعي، عن امرأته أنَّها دخلت على عائشة رضي الله عنها، فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم الأنصاري وامرأة أخرى، فقالت أم ولد زيد بن أرقم: يا أم المؤمنين إني بعت غلاماً من زيد بن أرقم بثمانمئة درهم نسيئة، وإني ابتعته بستمئة درهم نقداً، فقالت لها عائشة: بئسما اشتريت، وبئسما شَريتِ، إنَّ جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بطل إلا أنْ يتوب. اللفظ للدارقطني.

<<  <   >  >>