للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِكَفِيلٍ ضَمِنَ لَهُ مَالًا قَدْ بَرِئْت إلَيَّ مِنْ الْمَالِ رَجَعَ الْكَفِيلُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) مَعْنَاهُ بِمَا ضَمِنَ لَهُ بِأَمْرِهِ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ الَّتِي ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَطْلُوبِ وَانْتِهَاؤُهَا إلَى الطَّالِبِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْإِيفَاءِ، فَيَكُونُ هَذَا إقْرَارًا بِالْأَدَاءِ فَيَرْجِعُ (وَإِنْ قَالَ أَبْرَأْتُك لَمْ يَرْجِعْ الْكَفِيلُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) لِأَنَّهُ بَرَاءَةٌ لَا تَنْتَهِي إلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ بِالْإِسْقَاطِ فَلَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْإِيفَاءِ.

وَلَوْ قَالَ بَرِئْت قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مِثْلُ الثَّانِي لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْبَرَاءَةَ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ وَالْإِبْرَاءِ فَيَثْبُتُ الْأَدْنَى إذْ لَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِالشَّكِّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : هُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِبَرَاءَةٍ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَطْلُوبِ وَإِلَيْهِ

جَمِيعًا عَنْ خَمْسِمِائَةٍ بِأَدَاءِ الْكَفِيلِ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى هَذَا الْقَدْرَ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ قَالَ صَالَحْتُك عَمَّا اُسْتُوْجِبَ بِالْكَفَالَةِ كَانَ فَسْخًا لِلْكَفَالَةِ لَا إسْقَاطًا لِأَصْلِ الدَّيْنِ فَيَأْخُذُ الطَّالِبُ خَمْسَمِائَةٍ مِنْ الْكَفِيلِ إنْ شَاءَ وَالْبَاقِيَ مِنْ الْأَصِيلِ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَا أَدَّى وَمُصَالَحَتُهُ إيَّاهُ، بِخِلَافِ الْجِنْسِ تَمْلِيكٌ لِأَصْلِ الدَّيْنِ مِنْهُ بِالْمُبَادَلَةِ فَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ.

وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ جَعَلَ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ لِتَصِيرَ الدَّنَانِيرُ بَدَلًا مِنْ الدَّيْنِ وَيَكُونَ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَتَكُونَ الْبَرَاءَةُ مَشْرُوطَةً لِلْكَفِيلِ فَيَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ خَمْسُمِائَةٍ بَدَلًا عَنْ الْأَلْفِ لِكَوْنِهِ رِبًا فَيَبْقَى الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ وَالْبَرَاءَةُ مَشْرُوطَةٌ لَهُ، وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ فَيَبْرَآنِ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِخَمْسِمِائَةٍ إذَا كَفَلَ بِأَمْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا.

قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِكَفِيلٍ ضَمِنَ لَهُ مَالًا إلَخْ) ذَكَرَ هَاهُنَا ثَلَاثَ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْإِبْرَاءِ: إحْدَاهَا مَا ذُكِرَ فِيهِ ابْتِدَاءُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَطْلُوبِ وَانْتِهَاؤُهَا إلَى الطَّالِبِ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُذْكَرَ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الطَّالِبِ، وَالثَّالِثَةُ بِالْعَكْسِ. فَالْأُولَى أَنْ يَقُولَ لِكَفِيلٍ ضَمِنَ لَهُ بِأَمْرِهِ مَالًا قَدْ بَرِئْت إلَيَّ مِنْ الْمَالِ، وَفِيهَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ لِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْبَرَاءَةَ الَّتِي يَكُونُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَطْلُوبِ: أَيْ الْكَفِيلِ وَانْتِهَاؤُهَا إلَى الطَّالِبِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْإِيفَاءِ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ دَفَعْت إلَيَّ الْمَالِ أَوْ قَبَضْته مِنْك وَهُوَ إقْرَارٌ بِالْقَبْضِ فَلَا يَكُونُ لِرَبِّ الدَّيْنِ مُطَالَبَةٌ مِنْ الْكَفِيلِ وَلَا مِنْ الْأَصِيلِ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ.

وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَقُولَ أَبْرَأْتُك وَفِيهَا لَا رُجُوعَ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَكِنْ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يَطْلُبَ مَالَهُ مِنْ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بَرَاءَةٌ لَا تَنْتَهِي إلَى غَيْرِهِ، وَذَلِكَ بِالْإِسْقَاطِ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْإِيفَاءِ وَهَاتَانِ بِالِاتِّفَاقِ. وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَقُولَ بَرِئْت وَلَا يَزِيدَ عَلَيْهِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ : هُوَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَبْرَأْتُك؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْبَرَاءَةَ بِالْأَدَاءِ وَالْبَرَاءَةَ بِالْإِبْرَاءِ، وَالثَّانِيَةُ أَدْنَاهُمَا فَتَثْبُتُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِالشَّكِّ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا آخَرَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>