وَالْمُرَادُ بَيَانُ الْحُكْمِ دُونَ الْخِلْقَةِ. قَالَ (وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ ﵊ أَمَرَهُ جِبْرِيلُ ﵇ بِذَلِكَ،
بِقَوْلِهِ «الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ»: إمَّا أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ ﵊ غَيْرُ مَبْعُوثٍ لِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُشَاهَدٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ، أَوْ بَيَانِ أَنَّهُمَا مَمْسُوحَانِ كَالرَّأْسِ لَا بِمَاءِ الرَّأْسِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فِي أَمْرٍ لَا يُوجِبُ كَوْنَ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ كَالرِّجْلِ مِنْ الْوَجْهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْغَسْلِ وَالْخُفِّ مِنْ الرَّأْسِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَسْحِ. وَإِمَّا لِبَيَانِ أَنَّهُمَا مَمْسُوحَانِ بِمَاءِ الرَّأْسِ، وَذَلِكَ يُنَاسِبُ الذِّكْرَ عِنْدَ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ أَبْعَاضِ الرَّأْسِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا جَازَ أَنْ يُمْسَحَ بِمَاءٍ وَاحِدٍ فَكَذَا إذَا حَكَمَ الشَّرْعُ بِذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَ مَسْحُهُمَا عَنْ مَسْحِ الرَّأْسِ. أُجِيبَ بِأَنَّ كَوْنَ الْأُذُنِ مِنْ الرَّأْسِ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا يَقَعُ عَمَّا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ، كَمَا أَنَّ التَّوَجُّهَ إلَى الْحَطِيمِ لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْبَيْتِ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالتَّوَجُّهُ إلَى الْبَيْتِ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ فَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ مَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِئَلَّا يَلْزَمَ نَسْخُ الْكِتَابِ بِهِ.
وَقَوْلُهُ: (وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَهُ جِبْرِيلُ ﵇ بِذَلِكَ) قَالَ ﵊ «نَزَلَ عَلَيَّ جِبْرِيلُ ﵇ وَأَمَرَنِي أَنْ أُخَلِّلَ لِحْيَتِي إذَا تَوَضَّأْت» وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ لِئَلَّا يُعَارِضَ الْكِتَابَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَ ذَلِكَ أَنْ لَوْ أَفَادَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute