للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْفِرَاقِ، إلَّا أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نِصْفَ الْمَهْرِ طَرِيقَةُ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فَسْخٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْمُتْعَةَ لَا تَتَكَرَّرُ

وَاجِبَةٌ، وَيَقْتَضِي أَنْ لَا تَكُونَ الْمُتْعَةُ لِلْمُسْتَثْنَاةِ مُسْتَحَبَّةٌ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَاهَا مِنْ الِاسْتِحْبَابِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهَا لَهَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالْحَصْرِ. وَزَادَ الْفُقَهَاءُ وَجَامِعُ الْإِسْبِيجَابِيِّ، وَيَقْتَضِي أَنْ لَا تَكُونَ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةً لِلْمُسْتَثْنَاةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَاهَا مِنْ الْوُجُوبِ، وَذَكَرَ فِي الْحَصْرِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَهُ لِهَذِهِ الْمُسْتَثْنَاةِ أَيْضًا. وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ: وَتُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ غَيْرِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ قَبْلُ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا الزَّوْجُ إلَخْ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمُتْعَةَ وَاجِبَةٌ وَمُسْتَحَبَّةٌ. فَالْوَاجِبَةُ لِلَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالتَّسْمِيَةِ. وَالْمُسْتَحَبَّةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا الَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا وَقَدْ وَقَعَ اخْتِيَارُهُ مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ التُّحْفَةِ وَمُخَالِفًا لِلْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ.

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَهُ فِي الْمُسْتَثْنَاةِ قَوْلَانِ: فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ: تَجِبُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَصْرِ، وَفِي الْجَدِيدِ لَا تَجِبُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ، فَعَلَى هَذَا كَانَتْ الْمُتْعَةُ عِنْدَنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: وَاجِبَةٍ، وَمُسْتَحَبَّةٍ، وَغَيْرِ مُسْتَحَبَّةٍ. لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ مَلْمُوسَةً أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَهْرُهَا مُسَمًّى أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهِيَ الَّتِي وَجَبَتْ لَهَا الْمُتْعَةُ، وَإِنْ كَانَ فَهِيَ الْمُسْتَثْنَاةُ الَّتِي لَا تُسْتَحَبُّ لَهَا الْمُتْعَةُ، وَإِنْ كَانَتْ مَلْمُوسَةً سَوَاءٌ كَانَ مَهْرُهَا مُسَمًّى أَوْ لَمْ يَكُنْ تُسْتَحَبُّ لَهَا الْمُتْعَةُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هِيَ تَنْقَسِمُ إلَى وَاجِبَةٍ وَإِلَى غَيْرِهَا، وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهَا وَجَبَتْ) وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهَا لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ وَعَدَمُهُ لِلْمُسْتَثْنَاةِ.

وَتَقْرِيرُهُ: الْمُتْعَةُ وَجَبَتْ صِلَةً مِنْ الزَّوْجِ لِإِيحَاشِهَا بِالْفِرَاقِ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَجِبُ لِكُلِّ مَنْ أُوحِشَتْ بِهِ، فَالْمُتْعَةُ تَجِبُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ لِأَنَّهَا أُوحِشَتْ بِالْفِرَاقِ (إلَّا أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ) يَعْنِي الْمُسْتَثْنَاةَ (نِصْفَ الْمَهْرِ يَجِبُ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فَسْخٌ) مَعْنًى (فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) لِعَوْدِ مَالِهَا إلَيْهَا سَالِمًا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي سُقُوطَ الْمَهْرِ كُلِّهِ كَمَا فِي فَسْخِ الْبَيْعِ، لَكِنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ نِصْفَ الْمَهْرِ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ (وَالْمُتْعَةُ لَا تَتَكَرَّرُ) فَلَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ لِهَذِهِ الْمُطَلَّقَةِ وَتَجِبُ لِغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا قَالَ: وَجَبَتْ صِلَةً احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِنَا إنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ وَالْمُتْعَةَ خَلَفٌ عَنْهُ. وَالْفَائِدَةُ تَظْهَرُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا لَا تَسْتَحِقُّ الْمُتْعَةَ عِنْدَنَا لِأَنَّهَا قَدْ اسْتَحَقَّتْ عِوَضَ مَنَافِعِ الْبُضْعِ مَرَّةً فَلَا تَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ، وَعِنْدَهُ تَسْتَحِقُّ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ صِلَةً بِسَبَبِ الْإِيحَاشِ فَيَجِبُ الْمَهْرُ لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَالْمُتْعَةُ لِوَحْشَةِ الْفِرَاقِ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْمُتْعَةَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ الْمَهْرِ عِنْدَنَا لِئَلَّا يَزِيدَ الْخَلَفُ عَلَى الْأَصْلِ. وَعِنْدَهُ تُزَادُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>