للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإذا كان كما ذَكر، خرج من العزيمة أيضا المندوب الذي ليس بمؤكد، فقد نصوا أن السجدات لا تنحصر في العزائم، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وليس ما قاله ببين أيضا ـ إن شاء الله سبحانه وتعالى ـ فالأوجه أنها من عزم الأمر إذا قطعه ولم يبق فيه ترددا، ولا خيارا.

ولو كان الأمر كما قال، لاختصت الرخصة بالجائز، لمقابلتها للعزيمة.

ثم هذا البحث إنما هو على ما ذهب إليه القرافي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ تبعا لغيره من أن الرخصة تتحقق بالوجوب، بل نسبه في البحر لجميع الأصوليين.

أما على ما ذهب إليه غيره كالتاج السبكي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ في الإبهاج، ورفع الحاجب، والشاطبي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ في الموافقات، من أنها الإباحة خاصة، فهو وارد.

وقد احتج الشاطبي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ لما ذهب إليه من اختصاصها بالمباح، بأن النصوص الواردة في الرخص، إنما وردت بألفاظ دالة على رفع الحرج والإثم، ولم ترد بالأمر، كقوله سبحانه وتعالى جل من قائل: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) وكقوله سبحانه وتعالى جل من قائل: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) وإنما يستفاد الأمر من دليل آخر، فالآية الكريمة إنما جاءت برفع الحرج عن المضطر، ثم ينظر بعد ذلك، فإن خاف التلف وجب عليه الأكل، من جهة وجوب إحياء النفس، المستفاد من نحو آية (ولا تقتلوا أنفسكم).

ونحوه قول ابن دقيق العيد ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ في مثل إساغة اللقمة بالخمر: لا مانع أن يطلق عليه رخصة من وجه، وعزيمة من وجه، فمن حيث قام الدليل المانع، نسميه رخصة، ومن حيث الوجوب نسميه عزيمة، نقله عنه في البحر.

قال: وهذا التردد الذي أشار إليه سبقه إليه إمام الحرمين ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ في النهاية، وتردد في أن الواجبات هل يوصف شيء منها بالرخصة اهـ

وأشار رحمه الله سبحانه وتعالى بقوله:

وتلك في المأذون حتما توجد … وغيره فيه لهم تردد

<<  <  ج: ص:  >  >>