رحمه الله سبحانه وتعالى -: إن حقيقة الفرق قطع الجمع بين الأصل والفرع، إذ اللفظ أشعر به، وهو الذي يقصد منه.
وقال بعض الجدليين: حقيقته المنع من الإلحاق، بذكر وصف في الفرع، أو في الأصل. وينبني على هذا الخلاف: مسألة، وهي أن الفارق إذا ذكر فرقا في الأصل، هل يجب عليه أن يعكسه في الفرع، اختلفوا فيه.
فما عليه الحذاق من أهل النظر أنه يشترط، لأنه عبارة عن قطع الجمع، وإنما ينقطع الجمع إذا عكسه، لأن المقصود الفرق، والافتراق له ركنان: أحدهما وجود الوصف في الأصل، والثاني انتفاؤه في الفرع، لأن المستدل يقول: وجود معنى آخر لا يضرني، لأنه يؤكد الحكم في الأصل، وذلك لا يمنع تعليلي.
وصار غيرهم إلى أنه لا يلزم المعترض عكسه، لأنه ادعى أن العلة في الأصل وصف كذا، فإذا أبدى المعترض وصفا آخر، امتنع التعليل في الاصل به، وإذا امتنع التعليل امتنعت التعدية اهـ
وذكر في قبوله أقوالا، ونقل عن إمام الحرمين - رحمهما الله سبحانه وتعالى - أن المختار عنده فيه والذي ارتضاه كل من ينتمي إلى التحقيق من الفقهاء والأصوليين أنه صحيح مقبول، وأنه وإن اشتمل على معنى معارضة الاصل، وعلى معارضة علة الفرع بعلة، فليس المقصود منه المعارضة، بل مناقضة الجمع، وذكر أن القاضي - رحمهما الله سبحانه وتعالى - استدل على قبوله بأن السلف كانوا يجمعون، ويفرقون، ويتعلقون بالفرق، كما يتعلقون بالجمع، كما في قضية الجارية المرسية التي أجهضت الجنين، وقد أرسل إليها عمر بن الخطاب - رضي الله سبحانه وتعالى عنه - يهددها، فإن عمر - رضي الله سبحانه وتعالى عنه - استشار في ذلك، فقال عبد الرحمن بن عوف - رضي الله سبحانه وتعالى عنه -: إنما أنت مؤدب، ولا أرى عليك شيئا، وقال علي - رضي الله سبحانه وتعالى عنه -: أرى عليك الغرة.
وكان عبد الرحمن بن عوف - رضي الله سبحانه وتعالى عنه - حاول تشبيه تأديبه بالمباحات التي لا تعقب ضمانا، وجعل الجامع: أنه فعل ما له أن يفعله، فاعترضه علي -