للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مثال ذلك: عند تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (١)، قال: «وبعض صحح أن القرآن في نفسه هدى في كل شيء حتى معرفة الله تعالى لمن تأمل في أدلته العقلية وحججه اليقينية كما يشعر به ظاهر قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس} (٢) ويكون الاقتصار على المتقين هنا بناء على تفسيرنا الهداية مدحاً لهم ليبين سبحانه أنهم الذين اهتدوا وانتفعوا به كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يخشاها} (٣) مع عموم إنذاره صلى الله عليه وسلم وأما غيرهم فلا {وَإِذَا قَرَأْتَ القرءان جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لَا يُؤْمِنُونَ بالاخرة حِجَابًا مَّسْتُورًا} (٤) و {لا يَزِيدُ الظالمين إَلاَّ خَسَارًا} (٥) وأما القول بأن التقدير هدى للمتقين والكافرين فحذف لدلالة المتقين على حد {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر} (٦) فمما لا يلتفت إليه هذا» (٧).

ب. لكنه أحيانًا لا يأتي بتوجيه المتشابه في الآية المتقدمة ويأتي به في الآية المتأخرة.

مثال ذلك: عند تفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} (٨) قال: «وقد تفنن في التعبير فجاءت الشفاعة أولاً: بلفظ القبول متقدمة على العدل وهنا: النفع متأخرة عنه، ولعله كما قيل إشارة إلى انتفاء أصل الشيء وانتفاء ما يترتب عليه، وأعطي المقدم وجوداً تقدمه ذكراً، والمتأخر وجوداً تأخره ذكراً، وقيل: إن ما سبق كان للأمر بالقيام بحقوق النعم السابقة، وما هنا لتذكير نعمة بها فضلهم على العالمين وهي نعمة الإيمان ببني زمانهم، وانقيادهم لأحكامه ليغتنموها ويؤمنوا ويكونوا من الفاضلين لا المفضولين وليتقوا بمتابعته عن أهوال القيامة وخوفها كما اتقوا بمتابعة موسى عليه السلام» (٩).


(١) سورة البقرة، الآية: (٢).
(٢) سورة البقرة، الآية: (١٨٥).
(٣) سورة النازعات، الآية: (٤٥).
(٤) سورة الإسراء، الآية: (٤٥).
(٥) سورة الإسراء، الآية: (٨٢).
(٦) سورة النحل، الآية: (٨١).
(٧) روح المعاني، (١/ ١١٢، ١١٣).
(٨) سورة البقرة، الآية: (١٢٣).
(٩) روح المعاني، (١/ ٣٧١).

<<  <   >  >>