مَا ضَمِنَ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ غَيْرِ مِلْكٍ صَحِيحٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ خَرَاجُهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ مَنْفَعَةُ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ حَبْسُهُ وَكَيْفَ يَجُوزُ إذَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ الْمَنْفَعَةَ مِنْ الْمَمْلُوكِ لِلَّذِي يَحِلُّ لَهُ مَلَكَهُ الْمَالِكُ الْمُدَلِّسُ أَنْ يُحِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ يُجْعَلَ لِغَيْرِ مَالِكٍ وَلِمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ حَبْسُ الَّذِي فِيهِ الْمَنْفَعَةُ فَيَكُونُ قَدْ أُحِيلَ إلَى ضِدِّهِ وَخُولِفَ فِيهِ مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
بَابُ الْخِلَافِ فِي الْمُصَرَّاةِ
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي الْمُصَرَّاةِ فَقَالَ: الْحَدِيثُ فِيهَا ثَابِتٌ وَلَكِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ تَرَكُوهُ فَقُلْت لَهُ أَفَتَحْكِي لِي عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ تَرَكَهُ؟ قَالَ: لَا قُلْت فَأَنْتَ تَحْكِي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا مِثْلَ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَقُلْت لَهُ أَوْ تَحْكِي عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُ تَرَكَهُ؟ فَمَا عَلِمْته ذَكَرَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ أَحَدًا مِنْهُمْ يُخَالِفُهُ قَالَ: إنَّمَا عَنَيْت بِالنَّاسِ الْمُفْتِينَ فِي زَمَانِنَا أَوْ قَبْلَنَا لَا التَّابِعِينَ قُلْت لَهُ: أَتَعْنِي بِأَيِّ الْبُلْدَانِ؟ قَالَ: بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ: فَقُلْت لَهُ: فَاحْكِ لِي مَنْ تَرَكَهُ بِالْعِرَاقِ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَقُولُ بِهِ وَأَصْحَابُهُ قُلْت أَفَتَعُدُّ أَصْحَابَهُ إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُمْ قَبِلُوهُ عَنْ وَاحِدٍ؟ قَالَ: فَلَمْ أَعْلَمْ غَيْرَهُ قَالَ بِهِ. قُلْت أَنْتَ أَخْبَرْتنَا عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ قَالَ بِرَدِّهَا وَقِيمَةِ اللَّبَنِ يَوْمَئِذٍ قَالَ: وَهَكَذَا كَانَ يَقُولُ وَلَكِنْ لَا نَقُولُ بِهِ. فَقُلْت أَجَلْ: وَلَكِنْ ابْنُ أَبِي لَيْلَى قَدْ زَادَ الْحَدِيثَ فَتَأَوَّلَ فِيهِ شَيْئًا يَحْتَمِلُهُ ظَاهِرُهُ عِنْدَنَا عَلَى غَيْرِهِ فَقُلْنَا بِظَاهِرِهِ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى أَرَادَ اتِّبَاعَهُ لَا خِلَافَهُ.
قَالَ فَمَا كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ فِيهِ؟ قُلْت أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَهُ يَقُولُ بِالْحَدِيثِ قَالَ فَمَا كَانَ الزَّنْجِيُّ يَقُولُ فِيهِ؟ قُلْت سَمِعْته يُفْتِي فِيهِ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقُلْت لَهُ مَا كَانَ مَنْ يُفْتِي بِالْبَصْرَةِ يَقُولُ فِيهِ: قَالَ مَا أَدْرِي قُلْت أَفَرَأَيْت مَنْ غَابَ عَنْك قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْبُلْدَانُ أَيَجُوزُ لِي أَنْ أَقُولَ عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِهِمْ وَافَقُوا حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَعْلَمَ قَوْلَهُمْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقُلْت فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ تَرَكُوا الْقَوْلَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ فِي الْمُصَرَّاةِ وَزَعَمْت عَلَى لِسَانِك أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَك مَا قُلْت وَلَمْ يَحْصُلْ فِي يَدَيْك مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ تُسَمِّيهِ غَيْرُ صَاحِبِك وَأَصْحَابِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقُلْت لَهُ: وَهَلْ وَجَدْت لِرَسُولِ اللَّهِ حَدِيثًا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ يُخَالِفُهُ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ إلَّا إلَى حَدِيثٍ لِرَسُولِ اللَّهِ مِثْلِهِ؟ قَالَ: كُنْت أَرَى هَذَا قُلْت فَقَدْ عَلِمْت الْآنَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ هَكَذَا قَالَ وَكُنْت أَرَى حَدِيثَ جَابِرٍ أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ الْعَتَمَةَ ثُمَّ يَأْتِي بَنِي سَلِمَةَ فَيُصَلِّي بِقَوْمِهِ الْعَتَمَةَ هِيَ لَهُ نَافِلَةٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ فَوَجَدْنَا أَصْحَابَكُمْ الْمَكِّيِّينَ عَطَاءً وَأَصْحَابَهُ يَقُولُونَ بِهِ وَوَجَدْنَا وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ وَالْحَسَنَ وَأَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ وَبَعْضَ مُفْتِي أَهْلِ زَمَانِنَا يَقُولُونَ بِهِ قُلْت وَغَيْرُ مَنْ سَمَّيْت؟ قَالَ: أَجَلْ وَفِي هَؤُلَاءِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّاسَ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى تَرْكِهِ قُلْت لَهُ وَلَقَدْ جَهَدْت مُنْذُ لَقِيتُك وَجَهَدْنَا أَنْ نَجِدَ حَدِيثًا وَاحِدًا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ خَالَفَتْهُ الْعَامَّةُ فَمَا وَجَدْنَا إلَّا أَنْ يُخَالِفُوهُ إلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ فَذَكَرَ حَدِيثًا قُلْت أَثَابِتٌ هُوَ؟ قَالَ: لَا فَقُلْت مَا لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ لِأَحَدٍ وَلَا عَلَيْهِ قَالَ: فَكَيْفَ نَرُدُّ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَلَا نَرُدُّ ثَمَنَ اللَّبَنِ.
قُلْت أَثَبَتَ هَذَا عَنْ النَّبِيِّ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت وَمَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّسْلِيمُ فَقَوْلُك وَقَوْلُ غَيْرِك فِيهِ لِمَ وَكَيْفَ خَطَأٌ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ نَعَمْ قُلْت فَدَعْ كَيْفَ إذَا قَرَّرْت أَنَّهَا خَطَأٌ فِي مَوْضِعٍ فَلَا تَضَعُهَا الْمَوْضِعَ الَّذِي هِيَ فِيهِ خَطَأٌ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ وَكَيْفَ كَانَتْ خَطَأً؟ قُلْت: إنَّ اللَّهَ تَعَبَّدَ خَلْقُهُ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا شَاءَ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ فَعَلَى النَّاسِ اتِّبَاعُ مَا أُمِرُوا بِهِ وَلَيْسَ لَهُمْ فِيهِ إلَّا التَّسْلِيمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute