للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه كلها من أعمال الإيمان الباطنة والظاهرة أيضاً. قال شيخ الإسلام عن تمسك المرجئة بهذا الحديث: "وهذا لا حجة فيه، لأن الإيمان الظاهر الذي تجري عليه الأحكام في الدنيا لا يستلزم الإيمان في الباطن الذي يكون صاحبه من أهل السعادة في الآخرة" (١) . فظهر أن هذه الأسئلة يريد الرسول صلى الله عليه وسلم من ورائها معرفة منزلة هذه الجارية من أحكام الإسلام، وهل تستحق أن يطلق عليها اسم الإيمان أم لا. وليس المقصود أنها بلغت في إيمانها إلى حد إيمانه أو إيمان كبار أصحابه.

وعلى الفرض أن الجارية قالت للرسول صلى الله عليه وسلم أنا مؤمنة بكل شرائع الإسلام بمعنى مصدقة بها، ولكني لا أرى فرضية الصلاة والزكاة والصوم وغير ذلك من شرائع الإسلام. أي لا أرى لزوم عملها بالجوارح على أنها حقيقة الإيمان، بل تطلق عليه مجازاً، فهل كان صدر الرسول صلى الله عليه وسلم سينشرح منها ويأمر مولاها بعتقها ويشهد لها بالإيمان (٢) .

وأما حديث شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم في أولئك فالجواب عنه: أنه لابد من النظر إلى الأحاديث الكثيرة التي صرحت بأنها من أهل الإيمان وعليهم أثر السجود الذي هو عبارة عن عمل الصلاة وأن الجهنميين يعرفون بذلك.

وفي بعض الروايات أن المؤمنين يشفعون فيمن عرفوه بأنه من أهل الإيمان والعمل في الدنيا، وهذا لا يمنع أن فيه جماعة من الناس لهم أعمال لا يعلم بها إلا الله أخرجهم الله بسببها من النار، حيث ظهرت عليهم علامات إيمانهم وأعمالهم التي قدموها.


(١) انظر: مجموع الفتاوي٧/٢٠٩-٤١٦.
(٢) انظر لمزيد التفصيل: ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي ص٥١٩، ٥٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>