للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّا لَفِي جَبَلٍ نَنْتَظِرُ الْوَقْعَةَ عَلَى مَنْ تَكُونُ الدائرة (١) ، فَأَقْبَلَتْ سَحَابَةٌ، فَلَمَّا دَنَتْ مِنَ الْجَبَلِ سَمِعْنَا مِنْهَا حَمْحَمَة الْخَيل، وَسَمعنَا قَائِلا يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ: فَأَمَّا صَاحِبِي فَانْكَشَفَ قِنَاعُ قلبه فَمَاتَ مَكَانَهُ، وَأما أَنا لكدت (٢) أَنْ أَهْلِكَ ثُمَّ انْتَعَشْتُ (٣) بَعْدَ ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ بَعْضِ بَنِي سَاعِدَةَ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، قَالَ، بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ: لَوْ كُنْتُ الْيَوْمَ بِبَدْرٍ وَمَعِي بَصَرِي لَأَرَيْتُكُمُ الشِّعْبَ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ لَا أَشُكُّ فِيهِ وَلَا أَتَمَارَى.

فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ وَرَآهَا إِبْلِيسُ وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمْ: " أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ".

وَتَثْبِيتُهُمْ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَأْتِي الرَّجُلَ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ يَعْرِفُهُ فَيَقُولُ لَهُ: أَبْشِرُوا فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بشئ وَالله مَعكُمْ، كروا عَلَيْهِم.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دواد بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الْمَلَكُ يَتَصَوَّرُ فِي صُورَةِ مَنْ يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ: إِنِّي قَدْ دَنَوْتُ مِنْهُمْ وَسَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: لَوْ حَمَلُوا عَلَيْنَا مَا ثَبَتْنَا.

لَيْسُوا بشئ.

إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ.

فَذَلِكَ قَوْلُهُ: " إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فثبتوا الَّذين آمنُوا " الْآيَة.

وَلَمَّا رَأَى إِبْلِيسُ الْمَلَائِكَةَ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ: " إنى برِئ مِنْكُم، إنى أرى مَا لَا ترَوْنَ " وَهُوَ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ.

وَأَقْبَلَ أَبُو جَهْلٍ يُحَرِّضُ أَصْحَابَهُ وَيَقُولُ: لَا يَهُولَنَّكُمْ خِذْلَانُ سُرَاقَةَ إِيَّاكُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ عَلَى مَوْعِدٍ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ.

ثُمَّ قَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَا نَرْجِعُ حَتَّى تفرق مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ فِي الْجِبَالِ، فَلَا تَقْتُلُوهُمْ وَخُذُوهُمْ أخذا.


(١) ابْن هِشَام وَأَبُو نعيم: الدبرة.
(٢) ابْن هِشَام وَأَبُو نعيم: فكدت.
(٣) ابْن هِشَام وَأَبُو نعيم: ثمَّ تماسكت.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>