للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوْ قَدْ دَخَلْتُ عَلَى النَّجَاشِيِّ فَسَأَلْتُهُ إِيَّاهُ فأعطانيه فَضربت عُنُقه، فَإِذا فعلت رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي قَدْ أَجْزَأْتُ عَنْهَا حِينَ قَتَلْتُ رَسُولَ مُحَمَّدٍ.

قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَسَجَدْتُ لَهُ كَمَا كنت أصبغ.

فَقَالَ: مَرْحَبًا بِصَدِيقِي، هَلْ أَهْدَيْتَ لِي مِنْ بلادك شَيْئا؟ قَالَ: قلت: نعم أَيهَا الْملك، قَدْ أَهْدَيْتُ لَكَ أَدَمًا كَثِيرًا.

قَالَ: ثُمَّ قَرَّبْتُهُ إِلَيْهِ فَأَعْجَبَهُ وَاشْتَهَاهُ.

ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا خَرَجَ مِنْ عِنْدِكَ، وَهُوَ رَسُولُ رَجُلٍ عَدُوٍّ لَنَا، فَأَعْطِنِيهِ لِأَقْتُلَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ أَصَابَ مِنْ أَشْرَافِنَا وَخِيَارِنَا.

قَالَ: فَغَضِبَ ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا أَنْفَهُ ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ كَسَرَهُ، فَلَو انشقت الارض لدخلت فِيهَا فرقا!

ثمَّ قلت: أَيُّهَا الْمَلِكُ وَاللَّهِ لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَكْرَهُ هَذَا مَا سَأَلْتُكَهُ.

قَالَ: أَتَسْأَلُنِي أَنْ أُعْطِيَكَ رَسُولَ رَجُلٍ يَأْتِيهِ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى فتقتله؟ قَالَ: قُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ أَكَذَاكَ هُوَ؟ قَالَ: وَيْحَكَ يَا عَمْرُو أَطِعْنِي وَاتَّبِعْهُ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَعَلَى الْحَقِّ، وَلَيَظْهَرَنَّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ كَمَا ظَهَرَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ.

قَالَ: قُلْتُ: أَفَتُبَايِعُنِي لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: نَعَمْ.

فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ.

ثُمَّ خَرَجْتُ عَلَى أَصْحَابِي وَقَدْ حَالَ رَأْيِي عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَكَتَمْتُ أَصْحَابِي إِسْلَامِي، ثُمَّ خَرَجْتُ عَامِدًا إِلَى رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُسْلِمَ، فَلَقِيتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَذَلِكَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ، وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ فَقُلْتُ: أَيْنَ أَبَا سُلَيْمَانَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدِ استقام الميسم (١)


(١) الميسم: المكواة.
وَهُوَ أثر الْحسن أَيْضا.
وَرِوَايَة أبي ذَر: فِي شرح السِّيرَة: المنسم بالنُّون.
قَالَ: وَمَعْنَاهُ: تبين الطَّرِيق ووضح ".
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>