للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عبيد، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ

أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: " إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُم وَإِذ زاغت الابصار ".

قَالَتْ: ذَلِكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ.

* * * قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَلَمَّا نَزَلَ الْأَحْزَابُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ أَغْلَقَ بَنُو قُرَيْظَةَ حِصْنَهُمْ دُونَهُمْ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَخَرَجَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ النَّضَرِيُّ حَتَّى أَتَى كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ الْقُرَظِيَّ صَاحِبَ عَقْدِهِمْ وَعَهْدِهِمْ.

فَلَمَّا سَمِعَ بِهِ كَعْبٌ أَغْلَقَ بَابَ حِصْنِهِ دُونَ حُيَيٍّ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ، فَنَادَاهُ: وَيْحَكَ يَا كَعْبُ افْتَحْ لِي.

قَالَ: وَيْحَكَ يَا حُيَيُّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ مَشْئُومٌ، وَإِنِّي قَدْ عَاهَدْتُ مُحَمَّدًا فَلَسْتُ بِنَاقِضٍ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَلَمْ أَرَ مِنْهُ إِلَّا وَفَاءً وَصِدْقًا.

قَالَ: وَيْحَكَ افْتَحْ لِي أُكَلِّمْكَ.

قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ.

قَالَ: وَاللَّهِ إِنْ أَغْلَقْتَ دُونِي إِلَّا خَوْفًا عَلَى جَشِيشَتِكَ (١) أَنْ آكُلَ مَعَكَ مِنْهَا فَأَحْفَظَ الرَّجُلَ فَفَتَحَ لَهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا كَعْبُ! جِئْتُكَ بِعِزِّ الدَّهْرِ وَبَحْرٍ طَامٍ.

قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: جِئْتُكَ بِقُرَيْشٍ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا، حَتَّى أَنْزَلْتُهُمْ بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ، وَبِغَطَفَانَ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا حَتَّى أَنْزَلْتُهُمْ بِذَنَبِ نَقَمَى إِلَى جَانِبِ أُحُدٍ، قَدْ عاهدوني وعاقدونى على أَلا يَبْرَحُوا حَتَّى نَسْتَأْصِلَ مُحَمَّدًا وَمَنْ مَعَهُ.

فَقَالَ كَعْبٌ: جِئْتَنِي وَاللَّهِ بِذُلِّ الدَّهْرِ وَبِجَهَامٍ (٢) قَدْ هراق مَاؤُهُ يرعد ويبرق وَلَيْسَ فِيهِ شئ، وَيْحَكَ يَا حُيَيُّ فَدَعْنِي وَمَا أَنَا عَلَيْهِ، فإنى لم أر من مُحَمَّد إِلَّا وَفَاء وصدقا.


(١) ابْن هِشَام: إِلَّا عَن جشيشتك.
والجشيشة: طَعَام يصنع من الْبر الذى طحن غليظا.
(٢) الجهام: السَّحَاب الذى لَا مَاء فِيهِ.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>