ولما بلغ سن الكهولة، وأدرك من أقطار الشبيبة مأموله؛ نام فرأى أنه مستيقظ يفكر فيما سلف من بطالته، ويتحسر على ما فرط من تجريه على معصية الله واستطالته؛ ويتذكر ما مضى من شبابه، ومن انقضى منى أحبابه؛ ودمعه يباري صوب المزن في انصبابه، ويحكيه في انسجامه وانسكابه؛ فانتبه وهو منتبه لرشاده، مقبل على التزود لمعاده، منشد ما تنزعج القلوب من إنشاده:
ألاَ سأجلْ دُموعيَ يا غَمامُ ... وطارِحْني بشَجْوك يا حَمَامُ
فقد وفّيتُها ستّين حَوْلاً ... ونادتْني ورائيَ هل أمام
وكنت ومِن لُباناتِي لُبَيْنَي ... هناك ومن مَراضِعِيَ المُدام