للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موضع آخر يقول في رده على الشريف الرضي الشيعي بقوله:

" … أنه كان ينبغي لهم لو أن العرب كانت منعت منزلة من الفصاحة قد كانوا عليها أن يعرفوا ذلك من أنفسهم، كما قدمت، ولو عرفوا لكان يكون قد جاء عنهم ذكر ذلك، ولكانوا قد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: "إنا كنا نستطيع قبل هذا الذي جئتنا به، ولكنك قد سحرتنا، واحتلت في شيء حال بيننا وبينه"، فقد نسبوه إلى السحر في كثير من الأمور، كما لا يخفى، وكان أقل ما يجب في ذلك أن يتذاكروه فيما بينهم، ويشكوه البعض إلى البعض، ويقولوا: "ما لنا قد نقصنا في قرائحنا، وقد حدث كلول في أذهاننا" ففي أن لم يرو ولم يذكر أنه كان منهم قول في هذا المعنى، لا ما قل ولا ما كثر، دليل [على] أنه قول فاسد، ورأى ليس من آراء ذوى التحصيل (١).

وفي موضع آخر من "الشافية" في محض دفاعه عن إعجاز القرآن والرد على القائلين بالصرفة بما جاء عن العرب في شأن القرآن من أخبار فيقول أيضًا:

"ومنها الأخبار التي جاءت عن العرب في تعظيم شأن القرآن وفي وصفه بما وصفوه به من نحو: "إن عليه لطلاوة، وإن له لحلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر" (٢)، وذاك أن محالًا أن يعظموه، وأن يبهتوا عند سماعه، ويستكينوا له، وهم يرون فيما قالوه وقاله الأولون ما يوازيه، ويعلمون أنه لم يتعذر عليهم لأنهم لا يستطيعون مثله (٣).

ويقول في موضع آخر من "الشافية" في نهاية قوله بإبطال الصرفة والرد على قائليها أيضًا:

" .... ينبغي أن يقال: ما هذا الذي أخذتم به أنفسكم؟ وما هذا التأويل منكم في عجز العرب عن معارضة القرآن؟ وما دعاكم إليه؟ وما أردتم منه؟ أأن يكون لكم قول يحكى، وتكونوا أمة على حدة، أم قد أتاكم في هذا الباب علم لم يأت الناس؟

فإن قالوا: أتانا فيه علم.

قيل: أفمن نظر ذلك العلم أم خبر؟

فإن قالوا: من نظر.

قيل لهم: فكأنكم تعنون أنكم نظرتم في نظم القرآن ونظم كلام العرب ووازنتم فوجدتموه لا يزيد إلا بالقدر الذي لو خلوا والاجتهاد وإعمال الفكر، ولم تفرق عنهم خواطرهم عند القصد إليه، والمقصد له لأتوا بمثله؟

فإن قالوا: كذلك نقول.

قيل لهم: فأنتم تدعون الآن أن نظركم في الفصاحة نظر لا يغيب عنه شيء من أمرها، وأنكم قد أحطتم علمًا بأسرارها، وأصبحتم ولكم فيها فهم وعلم لم يكن للناس قبلكم.

وإن قالوا: عرفنا ذلك بخبر.

قيل: فهاتوا عرفونا ذلك، وأني لهم تعريف ما لم يكن، وتثبيت ما لم يوجد!

ولو كان الناس إذا عن لهم القول نظروا في موداه، وتبينوا عاقبته، وتذكروا وصية الحكماء حين نهوا عن الورود حتى يعرف الصدر، وحذروا أن تجيء أعجاز الأمور بغير ما أوهمت الصدور إذا لكفوا البلاء، ولعدم هذا وأشباهه من فاسد الآراء،


(١) - السابق، ص ١٤٨ - ص ١٤٩.
(٢) - يُنظر: المستدرك على الصحيحين للنيسابوري - كتاب التفسير - تفسير سورة المدثر - مدح كلام الله من لسان الكافر: مسألة: (١٥٠٦)، (٣٩٢٦)، قال النيسابوري: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه. وقد سبق تخريجه بطوله كذلك في المبحث الثالث: ردُّ شُبهةِ القولِ بالصَّرْفَةِ وبيان بطلانها. وقلنا في نهاية تخريجه: أن ثبوت الأثر عند الباحث محل نظر، لوجود اضطراب لدى المحققين في ثبوته وصحته.
(٣) - السابق، ص ١٥٢.

<<  <   >  >>