وأما ما ذهب إليه كثير من المفسرين في قوله تعالى:(وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى)(إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى)(وَلَسَوْفَ يَرْضَى)(الليل: ١٩-٢١) ، بان هذا هو أبو بكر فهذا ليس كالنص الحاصل لهؤلاء الثلاثة، ولذلك لا نعلم أن أحداً من الصحابة أثني عليه بهذا النص مثل ما أثني عليه هؤلاء الثلاثة.
وقد هجرهم النبي عليه الصلاة والسلام أربعين ليلة لا يكلمهم، وقال للناس: لا تكلموهم، فلا يكلمهم أحد، وبعد تمام الأربعين أمرهم أن يعتزلوا نساءهم، ولما جاء الرسول صلى إلى كعب بن مالك - الرسول الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعتزل امرأته - قال له كعب: أأطلقها - يعني فأنا مستعد- أم ماذا؟ قال الرسول: لا أدري، إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرك أن تعتزل امرأتك ولا أدري، فانظر كيف كان هذا الامتثال العظيم مع هذه المحنة العظيمة التي لا ترد على قلب فينجو منها إلا من عصمه الله عزّ وجلّ.
فالحاصل أن هجره إذا كان ينفع في تقليل المعصية أو التوبة منها فإنه مطلوب؛ إما على سبيل الوجوب، أو على سبيل الاستحباب، أما إذا كان لا ينفع وإنما يزيد العاصي عتواً ونفوراً من أهل الخير فلا تهجره؛ لأن الإنسان مهما كان عنده من المعاصي وهو مسلم فهو مؤمن، لكنه ناقص الإيمان.
أما الحق الثاني فهو عيادة المرض: المريض إذا مرض وانقطع في بيته فإن له حقاً على إخوانه المسلمين أن يعودوه ويذكروه ما ينبغي أن يذكروه به، من التوبة، والوصية، وكثرة الذكر، والاستغفار، وقراءة القرآن،