وقال ثالثاً: {اذهبآ إلى فِرْعَوْنَ} [طه: ٤٣] . ورابعاً (قال هاهنا «فَأتِيَاهُ» ) .
فإن قيل: إنه تعالى أمرهما بأن يقولا له «قَوْلاً لَيِّناً» ، وهاهنا أمرهما بأن يقولا {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ} وفي هذا تغليظ من وجوه:
الأول: «إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ» ) وهذا يقتضي انقياده لهما والتزامه لطاعتهما، وذلك يعظم على الملك المتبوع.
والثاني: قوله: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ} فيه إدخال النقص على ملكه، لأنه كان محتاجاً إليهم فيما يريده من الأعمال وأيضا: أمرهم بالإرسال يقتضي وجوب الطاعة والانقياد فيصير تحت أمرهم.
والثالث: نهيهم له بقولهم: «وَلَا تُعَذِّبهُمْ» .
والرابع: قوله: {قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ} .
فما الفائدة في القول اللين أولاً والتغليظ ثانياً؟
فالجواب: أن الإنسان إذا أظهر اللجاجة فلا بد له من التغليظ.
فإن قيل: أليس أن الأولى أن يقولا إنا رَسُولَا رَبِّكَ قَدْ جئنَاكَ بآيةٍ فأرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إسرائيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُم، فإن ذكر المعجز مقروناً بادعاء الرسالة أولى من تأخيره عنه؟
فالجواب: بل هذا أولى، لأنهم ذكروا مجموع الدعاوى ثم استدلوا على ذلك المجموع بالمعجز.
قوله: {قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ} قال الزمخشري: هذه الجملة جارية من الجملة الأولى وهي {إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ} مجرى البيان والتفسير، لأن دعوى الرسالة لا تثبت إلا بينتهما التي هي مجيء الآية.
فإن قيل: إن الله تعالى أعطاه آيتين، وهما العصا واليد ثم قال: {اذهب أَنتَ