للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

وقرأ أيضاً في الجاثية [آية: ٦] {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ الله وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} بالخِطَاب، واقفهُمَا عليها الكَسَائِي، وأبُو بكر عن عَاصِم، والباقون: باليَاء للغَيْبَة، فتحصَّل من ذلك أنَّ ابْن عامرٍ، وحَمْزة يقرآن بالخِطَاب في المَوْضِعَيْن، وأن نَافِعاًن وابن كثير، وأبا عَمْرو، وحَفْصاً عن عَاصِم، بالغيبة في الموْضِعَيْن، وأنّ الكَسِائيّ، وأبا بكر عن عن عَاصِم: بالغَيْبَة هُنَا، بالخِطَاب في الجَاثِية، فقد وافقا أحد الفريقين في إحْدى السُّورَتَيْن والآخر في أخرى.

فأما قِرَاءة الخِطَاب هُناَ: فيكون الظَّاهر من الخِطاب في قوله: «ومَا يُشْعِرُكُم» أنه للكُفَّار، ويتَّضح مَعْنَى هذه القِرَاءة على زيادة «لا» أي: ومَا يُشْعِرُكم أنكم تُؤمِنُون، إذا جَاءَت الآيَات الَّتِي طَلَبْتُمُوها كما أقْسَمْتُم عَلَيْه، ويتَّضحُ أيضاً على كون «أنَّ» بمعنى: لَعَلَّ، مع كون «لا» نَافِية، وعلى كَوْنِها عِلَّة بِتَقْدير: حذف اللَاّم، أي: «إنما الآيات عِنْدالله فلا يَأتِيكم بِهَا؛ لأنَّها إذا جَاءَت لا يُؤمِنُون بها» ويتَّضِحُ أيضاً على كَوْن المَعْطُوف مَحْذُوفاً، أي: «وما يُدْرِيكم بعدم إيمَانِكم، إذا جاءَت الآيات أو وُقُوعه؛ لأن مَآل أمركم مُغَيِّبٌ عَنْكم، فكَيْفَ تُقْسِمُون على الإيمان عِنْد مَجِيئ الآيات؟» وإنَّما يُشْكَل؛ إذا جَعَلْنا «أنَّ» معمولة ل «يُشْعِرُكم» وجَعَلْنَا «لا» : نافية غير زَائِدَة؛ إا يكون المَعْنَى: «وما يُدْرِيكم أيُّهَا المُشْرِكون بانْتِفَاء إيمانكم، إذا جَاءَتْكم» ، ويَزُول هذا الإشْكَال بأنَّ المَعْنَى: «وما يُدْريكم أيُّها المُشْرِكون بانْتِفَاء إيمانِكم، وإذا جَاءَتْكم» ، ويَزُول هذا الإشْكَال بأنَّ المَعْنى: ايُّ شَيءْ يُدْرِيكم بِعَدم إيمانِكُم، إذا جَاءَتْكم الآيَات الَّتِي اقْتَرَحْتُمُوها؟ يعني: لا يمرُّ هذا بِخَواطِرِكم، بل أنْتُم جازِمُونَ بالإيمان عند مجيئها، لا يَصْدُّكم عَنْه صادٌّ، وأ، اأعْلَمُ أنكم لا تُؤمِنُون وَقْت مَجِيئها؛ لأنكم مَطْبُوع على قُلُوبكُم.

وأمَّا على قِراءة الغَيْبَة، فتكون الهَمْزَة معها مكْسُورة؛ وهي قراءة ابْن كَثِير، وأبِي عَمْرو، وأبِي بَكْر عن عَاصِم، ومَقْتوحة؛ وهي قرءاة نافِع، والكسَائي، وحَفْص عن عَاصِم.

فعلى قِرَاءة ابْن كَثِير ومَنْ مَعَه يكون الخِطَاب في: «وما يُشْعِرُكُم» حائزاً فيه وجهان:

أحدهما: أنَّه خِطَاب للمُؤمِنين، أي: «وما يُشْعِركُم أيُّها المُؤمِنُون إيمانَهُم» ثم اسْتَأنَف إخْباراً عنهم بأنَّهم لا يُؤمِنُون، فلا تَطْمَعُوا في إيمانهم.

الثاني: أنه للكُفَّار، أي: «وما يُشْعِرُكم أيُّها المُشْرِكون مَا يَكون مِنْكم» ثم اسْتَأنف إخْبَاراً عَنْهم بِعَدَم الإيمَان؛ لعلمه السَّابق فيهم وعلى هَذَا فِفِي الكلام التِفَاتٌ من خِطَاب إلى غَيْبَة.

وعلى قرءاة نَافِع يكون الخِطَاب للكُفَّار، وتكون «أنَّ» بِمَعْنَى: «لعلَّ» كذا قاله أبو شَامَة، وغيره.

وقال أبُو حيَّان في هَذهِ القراءة: «الظَّاهر أن الخِطَاب للمُؤمنين، والمَعْنَى:» وما

<<  <  ج: ص:  >  >>