السَّكِّيت في كتاب: «الأَضْدَادِ» عن أبي عبيدة: «قَسَطَ: جارَ، وقَسَط، [عَدَل] ، وأقْسطَ بالألفِ عَدَلَ لا غير» . وقال أبو القاسم الرَّاغب الأصبهاني: «القِسْطُ أَنْ يأخذ قسط غيره، وذلك جورٌ، والإقساط أن يعطي قسطَ غيره، وذلك إنصافٌ، ولذلك يقول: قَسَط إذا جَارَ، وأقْسَط إذا عَدَل» .
والقسط: اسم، والإقساط مصدر يقال: أقسط فلانٌ في الحكم يقسط إقساطاً، إذا عدل، فهو مقسطٌ.
قال تعالى: {إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين} [المائدة: ٤٢] ويقال: هو قاسط إذا جار فقال تعالى: {وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً} [الجن: ١٥] {ثْمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: ١] ، وأمَّا إذا جعلنان مشتركاً بين عدل وبين جار فالأمر واضحٌ.
قال ابن القطَّاع: قَسَطَ قُسُوطاً، وقسطاً: جَارَ، وعَدَلَ ضدٌّ، وسيأتي لهذا مزيد بيانٍ في سورة النساء إن شاء الله تعالى.
قوله: {عِندَ الله} ظرفٌ منصوبٌ ب «أَقْسَط» ، أي في حكمه. وقوله: «وَأَقْوَمُ» إنَّما صحَّت الواو فيه؛ لأنه أفعل تفضيل، وأفعل التَّفضيل يصحُّ حملاً على فعل التَّعجُّب، وصحَّ فعل التَّعجُّب لجريانه مجرى الأسماء لجموده وعدم تصرُّفه.
و {وَأَقْومُ} يجوز أن يكون من «أَقَامَ» الرُّباعي المتعدِّي؛ لكنَّه حذف الهمزة الزَّائدة، ثمَّ أتى بهمزة [أفعل] كقوله تعالى: {أَيُّ الحِزْبَيْنِ أحصى} [الكهف: ١٢] فيكون المعنى: أثبت لإقامتكم الشهادة، ويجوز أن يكون من «قام» اللازم ويكون المعنى: ذلك أثبت لقيام الشَّهادة، وقامت الشهادة: ثبتت، قاله أبو البقاء.
قوله: {لِلشَّهَادَةِ} متعلِّقٌ ب «أَقْوَم» ، وهو مفعولٌ في المعنى، واللَاّم زائدةٌ ولا يجوز حذفها ونصب مجرورها بعد أفعل التَّفضيل إلَاّ لضرورة؛ كقوله: [الطويل]
١٢٨٩ - ... ... ... ... ... ... ... ..... وَأَضْرَبَ مِنَّا بِالسُّيُوفِ القَوَانِسَا
وقد قيل: «إشن» القَوانسَ «منصوبٌ بمضمر يدلُّ عليه أفعل التَّفضيل، هذا معنى كلام أبي حيّان، وهو ماشٍ على أنّ» أَقْوَم «من أقام المتعدّي، وأمَّا إذا جعلته من» قَام «بمعنى ثبت فاللَاّم غير زائدة.
قوله: {أدنى أَلَاّ ترتابوا} ، أي: أقرب، وحرف الجرّ محذوفٌ، فقيل: هو اللَاّم أي: أدنى لئلَاّ ترتابوا، وقيل هو» إلَى «وقيل: هو» من «، أي: أدنى إلى ألاّ ترتابوا، وأدنى من ألا ترتابوا. وفي تقديرهم:» مِنْ «نظرٌ، إذ المعنى لا يساعد عليه. و» تَرْتَابُوا «: تفتعلوا من الرِّيبة، والأصل:» تَرْتَيِبُوا «، فقلبت الياء ألفاً لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها.