للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

فانطلق سعد إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وشكى إليه الأنصاريَّ، فقال عمر: اللَّهُمَّ بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً؛ فأنزل الله تعالى: {إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ} [المائدة: ٩٠] إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} [المائدة: ٩١] وذلك بعد غزوة الأحزاب بأَيَّام، فقال عمر: انتهينا يا ربّ.

قال ابن الخطيب: والحكمة في وقوع التَّحريم على هذا التَّرتيب أنَّ الله تعالى علم أنَّ القوم كانوا قد أَلِفُوا شرب الخمر، وكان انتفاعهم بذلك كثيراً، فعلم أنَّه لو منعهم دفعةً واحدةً لشقّ ذلك عليهم، فلا جرم درَّجهم في التَّحريم رفقاً بهم، ومن الناس من قال: إن الله حرم الخمر والميسر بهذه الآية، ثم نزل قوله:

{لَا تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنْتُمْ سكارى} [النساء: ٤٣] فاقتضى ذلك تحريم شربها؛ لأنَّ شارب الخمر لا يمكنه أن يصلِّي مع السُّكر، فكان المنع من ذلك منعاً من الشّرب ضمناً، ثم نزلت آية المائدة، فكانت في غاية القوَّة في التَّحريم. وعن الرَّبيع بن أنس أنَّ هذه الآية نزلت بعد تحريم الخمر.

فصل

قال أنسٌ: حُرمت عليهم الخمر، ولم يكن يومئذ للعرب عيشٌ أعجب منها، وما حرِّم عليهم شيءٌ أشدّ من الخمر.

وقال أنس بن مالك: ما كان لنا خمر غير فضيخكم فإنّي لقائم أسقي أبا طلحة وفلاناً، وفلاناً، إذ جاء رجلٌ فقال: حرمت الخمر. قالوا: أهرق هذه القلال يا أنس؛ قال: فما سألوا عنها، ولا راجعوها بعد خبر الرَّجل.

واختلف الفقهاء في الخمر على ما تقدَّم؛ فقال قومٌ: هو عصير العنب والرُّطب الَّذي اشتدّ وغلا من غير عمل النَّار فيه، واتَّفقت الأُمَّة على أنَّ هذا الخمر نجس يحدُّ شاربها، ويُفَسَّقُ، ويكفر مستحلها، وذهب سفيان الثَّوريُّ، وأبو حنيفة، وجماعة إلى أنَّ التَّحريم لا يتعدّى هذا ولا يحرم ما يتّخذ من غيرها، كالحنطة، والشَّعير، والذُّرة، والعسل، والفانيذِ إلَاّ أن يسكر منه فيحرم، وقال: إذا طبخ عَصِيرُ العِنَبِ والرُّطب، حتّى

<<  <  ج: ص:  >  >>