ويصل الدكتور في جرأته في إنكار الجن ونفي وجودهم إلى حد الصراحة الواضحة في مناقشته لهذا الموضوع فيقول في تفسير سورة الجن صفحة ٢٢:"وافتراض أن هناك عالما ثالثا يتميز عن عالم الملائكة وعالم الإنس ويتقابل تماما مع أي منهما هو عالم الجن يحتم مثل هذه الأسئلة مم خلق هذا العالم؟ فإذا كان الجواب أنه من نار لقوله تعالى:{وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} فيسأل بعد ذلك مم خلقت الملائكة وعالمها تماما يقابل عالم الجن على هذا الافتراض فإذا كان الجواب إن الملائكة خلقت من (نور) كما يقال يسأل الآن ما هو الفرق بين النار والنور؟ أليست الشمس نارا ملتهبة، ومع ذلك تشع النور؟ وأليس النور عرضا ومظهرا للنار؟ وأليست النار منبعا للنور" انتهى كلامه، ونقول ردا على مناقشة الدكتور:
أولا: من الذي افترض ((أن هناك عالما ثالثا)) هم عالم الجن؟ إن هذا العالم ذكره الله في كتابه وتحدث عن خلقه وإن من الغريب أن يتكلم الدكتور عن الافتراض وهو نفسه يورد في مناقشته آية من كتاب الله تحدد المادة التي خلق الله منها الجن {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} .
ثانيا: أن مسألة خلق الجن ليست مسألة افتراضية حتى يحيطها الدكتور بهذا الركام من الأسئلة التي تنبعث من ظلمات الشك بل والإنكار، وإنما هي مسألة حددها القرآن بوضوح تام يقول الله تعالى:{خَلَقَ الأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} ثم يأتي بيان الرسول صلى الله عليه وسلم فيزيد المسألة تأكيدا ويكشف عن أصل كل واحد من العوالم الثلاثة الإنس – الملائكة - الجن في حديثه الذي يقول فيه:"خلقت الملائكة من نور. وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم"١ رواه مسلم في صحيحه، والإمام أحمد في مسنده، فما رأي الدكتور في هذا الحديث وهو في غاية الوضوح، ولا أحسبه يقبل شيئا من التأويل الغريب الذي جنح إليه الدكتور في تفسيره لمعنى ((الجن)) وإنني أستبعد أن يكون الدكتور جاهلا بهذا الحديث، وحتى لو سلمنا باتحاد أصل الملائكة والجن حسب رأيه فإننا نقول: ليس في اتحاد أصل عالمي الملائكة والجن مع اختلاف طبائعهما ومواصفاتهما أي غرابة حتى يثير الدكتور الدخان حول نار الجن ونور الملائكة بتساؤله ما الفرق بين النار والنور؟ راميا بذلك إلى إثبات أن الأصل الواحد لا يمكن أن ينشأ عنه نوعان مختلفان متجاهلا أو متغافلا عن حقيقة هامة هي أن الأصل سواء أكان النور أو النار لا فعالية له من ذاته في الخلق والإيجاد وإنما يكون الخلق منه بقدرة الله
١ مختصر ابن كثير الجزء الثالث الطبعة الأولى صفحة ٤١٧.