وفي وقوفه - صلى الله عليه وسلم - على راحلته وإطالته الوقوف عليها دليل على إباحة ذلك مطلقًا خلافًا لمن كرهه، ويحتمل أن يكون ذلك مقصورًا على ما هو قرابة دون غيره من المباح وعلى ما خف أمره دون الأحمال الثقال والمحامل الثقيلة بالركبان المتعددة لما فيه من إتعاب الحيوان من غير ضرورة (وأردف أسامة) أي ابن زيد، وفي مسلم وغيره ((أردف أسامة خلفه)) وكذا هو في المصابيح، وسقط لفظ ((خلفه)) من جميع نسخ المشكاة. قال النووي: فيه جواز الإرداف إذا كانت الدابة مطيقة، وقد تظاهرت به الأحاديث. وقال الطبري: وإردافه - صلى الله عليه وسلم - أسامة رخصة في ركوب اثنين على بعير واحد، وأن ذلك لا ينقص من منصب الجليل شيئًا، وبيان فضل أسامة بتخصيصه بذلك دون من حضره في ذلك الوقت، وكذلك فضل الفضل في إردافه في ثاني الحال، وفضل عليٍّ باستنابته في النحر وبإشراكه في هديه (ودفع) أي ابتدأ السير ودفع نفسه ونحاها أو دفع ناقته وحملها على السير، قاله الجزري. وقال السيوطي: أي خرج من عرفات، وفي رواية ((أفاض وعليه السكينة)) وفي مسلم ((ودفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد شنق)) (بفتح الشين المعجمة والنون المخففة فقاف أي ضم وضيق) للقصواء الزمام (يعني ضم رأسها إليه وبالغ في الضم، يقال شنق لها وأشنق) حتى أن رأسها ليصيب مَوْرِك رحله (بفتح الميم وسكون الواو وكسر الراء هو الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه قدام واسطة الرحل إذا مل من الركوب، وقال عياض: هو بفتح الراء وهو قطعة أدم محشوة تجعل في مقدم الرحل شبه المخدة الصغيرة يضع الراكب رجليه عليها متوركًا ليستريح من وضعهما في الركاب، أراد أنه قد بالغ في جذب رأسها إليه ليكفها عن السير، ورَحْله بفتح الراء وسكون الحاء المهملة. قال القسطلاني: وفي نسخة لمسلم ((رجله)) بكسر الراء بعدها جيم. قال النووي: وفي هذا استحباب الرفق في السير من الراكب بالمشاة وبأصحاب الدواب الضعيفة) ويقول بيده اليمنى (أي يشير بها) أيها الناس السكينة السكينة (بالنصب أي الزموا السكينة وهي الرفق والطمأنينة وعدم الزحمة، فالنصب على الإغراء. قال النووي: فيه أن السكينة في الدفع من عرفات سنة، فإذا وجد فرجة يسرع كما ثبت في الحديث الآخر) كلما أتى حِبلاً من الحِبال (بالحاء المهملة المكسورة جمع حبل وقد تقدم معناه) وأرخى لها قليلاً (أي أرخى للقصواء الزمام إرخاءً قليلاً أو زمانًا قليلاً) حتى تصعد (بفتح التاء المثناة فوق من صعد، وروي بضمها من أصعد يقال: صعد في الجبل وأصعد في الأرض لا غير أي ذهب وسار، ومنه قوله تعالى {إذ تصعدون} (٣: ١٥٣)(حتى أتى المزدلفة) أصله مزتلفة فأبدل من التاء دال لقرب المخرج وهي موضع بين عرفة ومنى وكلها من الحرم، وهي المسماة بجَمْع – بفتح الجيم وسكون الميم وعين مهملة، وسميت جمعًا لأن آدم وحواء عليهما السلام بعد ما أهبطا إلى الأرض كل واحد في موضع اجتمعا به. وقيل: لأنه يجمع فيها بين صلاتين المغرب والعشاء. وقيل: لأن الناس يجتمعون فيها، وسميت بالمزدلفة لذلك أيضًا من الازدلاف وهو الاجتماع، وقيل: