من طريق الأسود بن يزيد أنه كان يقول: لبيك غفار الذنوب. وللحاكم، والبيهقي عن ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - وقف بعرفات، فلما قال: لبيك اللهم لبيك، قال: إنما الخير خير الآخرة. وللدارقطني في العلل وأبي ذر الهروي، والبزار عن أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: لبيك حجًا تعبدًا ورقًا. ولمسلم في حديث جابر الطويل في صفة الحج: حتى استوت به ناقته على البيداء وأهل بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك إلخ. وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد عليهم شيئًا منه، ولزم تلبيته وأخرجه أبو داود من الوجه الذي أخرجه منه مسلم، قال: والناس يزيدون ((ذا المعارج)) ونحوه من الكلام، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يسمع فلا يقول لهم شيئًا. وفي رواية البيهقي ((ذا المعارج)) و ((ذا الفواصل)) قال الحافظ بعد ذكر حديث جابر من رواية مسلم وأبى داود: وهذا يدل على أن الاقتصار على التلبية المرفوعة أفضل لمداومته هو - صلى الله عليه وسلم - عليها، وأنه لا بأس بالزيادة لكونه لم يردها عليهم وأقرهم عليها وهو قول الجمهور، وبه صرح أشهب، وحكى عن ابن عبد البر عن مالك الكراهة. قال: وهو أحد قولي الشافعي، وحكى الترمذي عن الشافعي، قال: فإن زاد في التلبية شيئًا من تعظيم الله فلا بأس، وأحب إلى أن يقتصر على تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك أن ابن عمر حفظ التلبية عنه، ثم زاد من قبله زيادة ونصب البيهقي الخلاف بين أبى حنيفة والشافعي فقال: الاقتصار على المرفوع أحب ولا ضيق أن يزيد عليها، قال: وقال أبو حنيفة: إن زاد فحسن، وحكى في المعرفة عن الشافعي قال: ولا ضيق على أحد في قول ما جاء عن ابن عمر وغيره من تعظيم الله ودعائه، غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك - انتهى. وهذا أعدل الوجوه فيفرد ما جاء مرفوعًا. وإذا اختار قول ما جاء موقوفًا أو أنشأه هو من قبل نفسه مما يليق قاله على انفراده حتى لا يختلط بالمرفوع، وهو شبيه بحال الدعاء في التشهد، فإنه قال فيه: ثم ليتخير من المسألة والثناء ما شاء أي بعد أن يفرغ من المرفوع، كما تقدم ذلك في موضعه - انتهى. قلت: الأفضل والأولى هو الإقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والاقتصار على لفظ تلبيته الثابت في الصحيحين وغيرهما، لأن الله تعالى يقول:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} وهو - صلى الله عليه وسلم - يقول:((لتأخذوا عني مناسككم)) ، وأن الزيادة المذكورة لا بأس بها، لما روي من فعل عمر وابنه، ومعلوم أن الزيادة على تلبيته النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان فيها محذور لما فعلها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما، ولما وقع في حديث جابر الطويل عند مسلم وأبى داود، وهو واضح في أنهم يزيدون على تلبيته - صلى الله عليه وسلم - ويقرهم على ذلك. ولم ينكره عليهم كما ترى. (متفق عليه) رواه البخاري في اللباس ومسلم في الحج، وأخرجه أيضًا البيهقي (ج٥: ص٤٤) ، وأخرجه البخاري أيضاً في الحج من طريق نافع عن ابن عمر مختصرًا، ورواه أحمد بذكر التلبيد والتلبية جميعًا في (ج٢: ص١٣١) وبذكر التلبية فقط مرارًا، وروى النسائي، وأبو داود، وابن ماجة التلبيد في باب التلبيد والتلبية في باب صفة التلبية، وروى مالك، والترمذي فقط. وأما قوله:((لا يزيد على هؤلاء الكلمات)) فلم أجده إلا عند الشيخين والبيهقي. والله أعلم.