للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

..............................................................................................

ــ

الحنفية بعموم حديث الخثعمية على جواز صحة حج من لم يحج نيابة عن غيره، وخالفهم الجمهور فخصوه بمن حج عن نفسه، واستدلوا بحديث ابن عباس في شبرمة الآتي في الفصل الثاني. قال العيني: فيه أي في حديث الخثعمية ما يدل على أنه يجوز للرجل أن يحج عن غيره إن لم يكن حج عن نفسه لإطلاق الحديث ولم يسألها أحججت عن نفسك أم لا وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، وأحمد في رواية. ويحكى كذلك عن الحسن، وإبراهيم، وأيوب، وجعفر بن محمد. وقال الأوزاعي والشافعي (وأحمد في روايته المشهورة عند أصحابه) وإسحاق: ليس لمن لم يحج حجة الإسلام أن يحج عن غيره فإن فعل وقع إحرامه عن حجة الإسلام. وقال أبو بكر عبد العزيز: يقع الحج باطلاً ولا يصح عنه ولا عن غيره وروي ذلك عن ابن عباس - انتهى. وأجاب الحنفية عن حديث شبرمة بأنه مضطرب معلول، وبأنه محمول على الندب بدليل إطلاقه عليه الصلاة والسلام قوله للخثعمية حجي عن أبيك من غير استخبارها عن حجها لنفسها قبل ذلك، وترك الاستفصال في وقائع الأحوال ينزل منزلة عموم الخطاب فيفيد جوازه عن الغير مطلقًا، وحديث شبرمة يفيد استحباب تقديم حجة لنفسه وبذلك يحصل الجمع. قلت: حديث شبرمة حديث صحيح أو حسن صالح للاحتجاج، وكل ما ذكروه في تعليله مدفوع ومردود كما سترى عند شرحه، وأما ما ذكروه من حمله على الاستحباب متمسكين على ذلك بحديث الخثعمية فقد تعقبه صاحب فتح الملهم (ج٣: ص٣٧٢) بأن سؤال الخثعمية إنما وقع بعد دفعه - صلى الله عليه وسلم - من المزدلفة إلى منى حين كان الفضل رديفه فكيف يتصور استفسارها عن مسألة النيابة في تلك الحجة بعد فراغها من الوقوف بعرفة فالظاهر أنها حجت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم سألت هل تحج عن أبيها، أي فيما يستقبل من الزمان إذا أرادت فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: نعم حجي عنه، ولما كان حجها عن نفسها معلومًا مشهودًا لم يحتج - صلى الله عليه وسلم - إلى استخبارها عنه حتى يقال: إن ترك الاستفصال في وقائع الأحوال ينزل منزلة عموم الأحوال، وحينئذٍ ارتفع التعارض بين حديث الخثعمية وبين حديث شبرمة رأسًا - انتهى. وفي حديث الخثعمية من الفوائد: جواز كلام المرأة وسماع صوتها للأجانب عند الضرورة كالاستفتاء عن العلم والترافع في الحكم والمعاملة. وفيه أن المرأة تكشف وجهها في الإحرام وهو إجماع حكاه ابن عبد البر، ويدل له قوله - صلى الله عليه وسلم -: ولا تنتقب المرأة. وفيه بيان ما ركب في الآدمي من الشهوة وجبلت طباعة عليه من النظر إلى الصور الحسنة. قال القرطبي: كان هذا النظر، أي نظر الفضل إلى المرأة ونظرها إلى الفضل بمقتضى الطباع البشرية فإنها مجبولة على النظر إلى الصورة الحسنة ففي نظر أحدهما إلى الآخر مغالبة طباع البشر لابن آدم وضعفه عما ركب فيه من الشهوات. وفيه منع النظر إلى الأجنبيات ووجوب غض البصر خوف الفتنة في حق الرجال والنساء جميعًا لأنه لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، وكان الفضل أبيض حسن الشعر وسيمًا، وكذا المرأة كانت حسناء، وفي صرف وجه الفضل بل عنقه ووضع يده عليه مبالغة في منعه فإن المنع بالفعل أبلغ من القول، وروى أحمد وابن خزيمة من وجه آخر عن ابن عباس أن

<<  <  ج: ص:  >  >>