للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ. قَالَ: وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

ــ

أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} (الأعراف: ١٧٢) فأقروا له بالربوبية وأذعنوا له بالوحدانية، وبالوعد ما قال على لسان نبيه إن من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة (أبوء لك بنعمتك علي) بضم الموحدة وسكون الواو بعدها همزة ممدودًا أي اعترف بها من قولهم باء بحقه أي أقر به، وأصله البواء ومعناه اللزوم ومنه بوأه الله منزلاً إذا أسكنه فكأنه ألزمه به (وأبوء بذنبي) أي: أعترف به. وقيل: معناه احتمله برغمي لا أستطيع صرفه عني من قولهم باء فلان بذنبه إذا احتمله كرهًا لا يستطيع دفعه عن نفسه. قال القسطلاني: ولأبي ذر عن الكشميهني: وأبوء لك بذنبي، وفي رواية الترمذي: وأعترف بذنوبي. قال الطيبي: واعترف أولاً بأنه أنعم عليه ولم يقيده ليشمل كل النعم، ثم اعترف بالتقصير وإنه لم يقم بأداء شكرها وعده ذنبًا مبالغة في التقصير وهضم النفس – انتهى. قال الحافظ: ويحتمل أن يكون قوله: وأبوء لك بذنبي اعترافًا بوقوع الذنب مطلقًا ليصح الاستغفار منه لا أنه عد ما قصر فيه من أداء شكر النعم ذنبًا (فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) يؤخذ منه أن من اعترف بذنبه غفر له، وقد وقع صريحًا في حديث الإفك الطويل، وفيه كما تقدم قبل أربعة أحاديث ((العبد إذا اعترف بذنبه وتاب تاب الله إليه)) وهذا الاعتراف فيما بينه وبين ربه لا عند الناس، لأنه يحب الستر والكتمان عن الناس إذا اقترف ذنبًا هو يستطيع أن يكتمه (قال) أي: النبي - صلى الله عليه وسلم - (ومن قالها) أي: هذه الكلمات (من النهار) أي: في بعض أجزاءه، وفي رواية النسائي: فإن قالها حين يصبح، وللترمذي: لا يقولها أحدكم حين يمسي فيأتي عليه قدر قبل أن يصبح أو حين يصبح فيأتي عليه قدر قبل أن يمسى (موقنًا بها) . أي: مخلصًا من قلبه مصدقًا بثوابه. وقال القاري: أي: حال كونه معتقدًا لجميع مدلولها إجمالاً أو تفصيلاً (فمات من يومه قبل أن يمسي) أي: قبل الغروب (فهو من أهل الجنة) أي: يموت مؤمنًا فيدخل الجنة أو مع السابقين أو بغير عذاب أو هو بشارة بحسن الخاتمة، وفي رواية الترمذي: إلا وجبت له الجنة، وفي رواية النسائي: دخل الجنة. قال السندي: أي: ابتداء وإلا فكل مؤمن يدخل الجنة بإيمانه، وهذا فضل من الله تعالى. وقال الكرماني: فإن قيل المؤمن وإن لم يقلها فهو من أهل الجنة. قلت: المراد أنه يدخلها ابتداء من غير دخول النار لأن الغالب أن الموقن بحقيقتها المؤمن بمضمونها لا يعصي الله تعالى أو إن الله يعفو عنه ببركة هذا الاستغفار، فإن قلت: فما الحكمة في كونه سيد الاستغفار؟ قلت: هذا وأمثاله من التعبديات والله أعلم بذلك لكن لا شك أن فيه ذكر الله تعالى أكمل الأوصاف وذكر العبد نفسه بأنقص الحالات وهي أقصى غاية التضرع ونهاية الاستكانة لمن لا يستحقها إلا هو

<<  <  ج: ص:  >  >>