عنهم:"خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" , والخيرية تستلزم قطعاً صلاح العقيدة وصحتها ضرورة بحكم أنهم شاقوا صاحب الرسالة محمداً عليه الصلاة والسلام وأخذوا عنه دينهم وعقيدتهم.
وإذا كنا نؤمن بأنه عليه الصلاة والسلام بلّغ رسالة ربه كاملة قبل أن يكتم شيئاً منها في أصول الدين وفروعه، ونؤمن ثانياً بأن الصحابة فهموا ما بلّغهم الرسول عليه الصلاة والسلام فهماً صحيحاً وشاملاً وتحمّلوا أمانة التبليغ لمن بعدهم فبلغوهم فعلاً قبل أن يكتموا شيئاً مما بُلِّغُوا، إذا كنا نؤمن إيماناً كهذا يلزمنا أن نعتقد أن كل خير في اتباعهم فيما كانوا عليه لأنهم على هدى وعلى صراط مستقيم ومخالفتهم تعد إحداث بدعة في الدين مع ادعاء أن الدين لم يتم بعد بل هو في حاجة إلى زيادة أو تعديل أو تحسين، وكل ذلك تحدٍ سافر لشهادة الله تعالى لنبيه وأتباعه أنه أكمل لهم الدين وأتم عليهم نعمة الإسلام إذ يقول الله جل من قائل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ, وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي, وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً}(المائدة: ٣) وقد نزلت هذه الشهادة من السماء في آخر حياته عليه الصلاة والسلام، وكان نزولها في حجة الوداع على رؤوس الأشهاد في أعظم تجمع حصل في تاريخ الإسلام.
وكل الذي أقصده بهذا الاستطراد، أن الصواب في هذه المسألة وغيرها من مسائل الدين بما في ذلك البحث الذي حول القرآن هو ما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وكل مل خالف ما كانوا عليه فهو باطل ضرورة (إن الحق واحد لا يتعدد) هذه هي الطوائف الثلاثة في هذه المسألة، ولا نعلم لها رابعة - فيما نعلم - ولكننا فوجئنا في أثناء دراستنا لكتب ابن رشد بقول غريب لم يسبق إليه، وذلك في تعريفه للكلام - وقد ذكرناه فيما تقدم - وقد انتهى كلامه إلى القول:"بأن حروف القرآن التي في المصحف إنما هي من صنعنا نحن بإذن الله، وإنما وجب لها التعظيم لأنها دالة على المخلوق لله، وعلى المعنى الذي ليس بمخلوق"١.