الأخضر وفرع منه ضربًا آخر فقال: هو أن يأتي المتكلم بكلمة توهم، بما بعدها من الكلام، أن المتكلم أراد تصحيفها ومراده خلاف ذلك، كقول أبي الطيب:
وإن الفئام التي حوله ... لتحسد أرجلها الأرؤس
فإن الأرجل أوهمت السامع أن لفظة الفئام بالقاف، ومراد الشاعر الفئام بالفاء، وهي الجماعات الكثيرة، هكذا روي هذا البيت، والمبالغة تقتضيه فإن القيام بالقاف يصدق عليه أقل الجمع. انتهى.
وبيت عز الدين الموصلي:
يا سائرًا مفردًا أعربت لحنك في ... توهيم منع رضاع الشاء من حلم
قلت: هذا البيت المبارك عجزت عن حل معناه، إذ ليس له تعلق بما قبله، ولا بما بعده، ولا بمدح النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم أزل في حيرة إلى أن وقفت على شرح المصنف، فوجدته قد قال: الحلم مشتق من الحلمة، وهي رأس الثدي، ويحصل في جلد الشاة دود، فتقول العرب: حلمت وحلم أديمها، أي وجد الدود في جلدها، ثم قال: ومعنى البيت، أني أخاطب سائرًا في الطريق منفردًا بنفسه عن الناس، لا يرغب في مرافقة أحد، فقلت: له وأنت تتوهم بترك اجتماعك بالناس معنى لا تظهره، كما يوهم الراعي بمنع رضاع الشاء، أن جلودها حلمت، وحلم بين حلم الشاة وحلم الأديب. قلت والله ما ازددت إلا حيرة في تفسير هذا الشرح، والذي أقوله: إن الشرح والنظم في العقادة، وعدم الفائدة، كفرسي رهان.
وبيت بديعيتي تقدم قبله وهو:
وأودعوا للثرى أجسامهم فشكت ... شكوى الجريح إلى العقبان والرخم
وقلت بعده في التوهيم:
والبعض ماتوا من التوهيم واطرحوا ... والسمر قد قبلتهم عند موتهم
فذكر الموت في البيت يوهم السامع أن نساءهم السمر قد أدارتهم إلى جهة القبلة، كما هو المعهود. والتوهيم هنا في التقبيل وفي السمر، والمراد بالسمر الرماح، وبالتقبيل الطعن في الأفواه التي تنزل هنا منزلة التقبيل، واستعارة التقبيل للرماح في غاية الحسن، فإنهم شبهوا سنان الرماح باللسان، وشبهوا مواقع الطعن بالثغور. ويعجبني هنا قول ابن المزين في الرمح: