للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعل الذي يؤيد ذلك قوله في أصول مذهبه: "الأصل: كتاب أو سنة".

الصورة الرابعة: أن تكون السنة مثبتة ومنشئة حكمًا سكت عنه القرآن الكريم، فيكون هذا الحكم ثابتًا بالسنة ولا يدل عليه نص من القرآن، مثل الأخبار التي تدل على رجم الزاني المحصن١، والحكم بشاهد ويمين٢، وتحريم لبس الذهب والحرير على الرجال، وصدقة الفطر٣، وتحريم لحم الحمر الأهلية٤، وفكاك الأسير٥ ونحو ذلك.

يتبين مما تقدم أن السنة راجعة إلى القرآن الكريم رجوع الشرح للمشروح والمبين للمجمل، كما أنها قد تستقل بتشريع أحكام غير منصوص عليها في القرآن الكريم ما كان لنا أن نهتدي إليها بعقولنا، ولولا هدي الرسالة ما انكشف لنا قريبها فضلًا عن بعيدها٦.

ومن هذا نعلم أنه لا يمكن أن يقع بين أحكام القرآن والسنة تخالف أو تعارض.


١ عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: "إن الله تعالى بعث محمدًا -صلى الله عليه وسلم-بالحق وأنزل عليه الكتاب، وكان فيما أنزل آية الرجم فقرأناها ووعيناها وعقلناها، ورجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله عز وجل فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله عز وجل، ألا وإن الرجم حق إذا أحصن الرجل وقامت البينة أو كان الحمل أو الاعتراف. "السنن الكبرى للبيهقي: ٨/ ٢١١، سنن الدارمي: ١/ ١٧٩".
٢ روى مالك عن جعفر الصادق بن محمد عن أبيه "محمد بن علي بن الحسين" أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى باليمين مع الشاهد. "شرح الزرقاني على موطأ مالك: ٣/ ٣٨٩".
٣ عن ابن عمر قال: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين" رواه الجماعة. نيل الأوطار: ٤/ ٢٤٩.
٤ "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية ورخص في الخيل" رواه الشيخان. شرح الزرقاني على موطأ مالك ص٢/ ٩٢، وفي نيل الأوطار "حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحمر الأهلية" متفق عليه: ٨/ ٢٨١.
٥ عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فكوا العاني وأطعموا الجائع" , سنن الدارمي٢/ ٢٢٣. وفكاك الأسير في صحيح البخاري كتاب المعلم الحديث: ص٣٩، والجهاد الحديث: ١٧١، والديات: ٢٤، ٣١، والترمذي: كتاب الديات الحديث: ١٦، والنسائي كتاب القسامة الحديث: ١٤.
٦ انظر إرشاد الفحول للشوكاني: ص ٣٣، الموافقات: ٤/ ٢٧-٣٧.

<<  <   >  >>