للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأغنياء، حتى تضمن للفقراء حقهم. ولا شك أننا نعرف خبر المعركة القاسية التي خاضها الخليفة الأول أبو بكر -رضي الله عنه- في هذا الشأن١.

بيد أن جميع الحالات التي ذكرناها لا تمثل صعوبات خطيرة، ولا هي بحيث تحير الأخلاقي. غير أن الحقيقة -في واقع الأمر- أننا لا نعفى إعفاء كاملًا من واجباتنا نتيجة حدث يقع مستقلًّا عنا، أو رغم إرادتنا. ويجب في الأمثلة السابقة أن نميز بين جانبين مختلفين للواجب، ذلك أنه إذا كانت العدالة تقتضي أن يتملك كل إنسان من الطيبات ما له فيه حق -فإن ذلك ينتج عنه تكليف مزدوج: أولًا: على من يحوز الشيء مناقضًا في حيازته الشرع أن يرده إلى مالكه، وثانيًا: على الأمة أن تحرص على ألا تضيع حقوق أصحاب الحقوق أو تهضم، فإذا لم يتم الأداء بوساطة الحائز لزم التدخل لإقرار النظام.

وليست الدولة وحدها، وهي الهيئة العليا التي تمثل المجتمع في هذه المهمة العامة -هي التي يجب أن تعمل لكي تسود العدالة بين الناس، بل إن كل عضو في الجماعة خاضع لهذه الضرورة الأخلاقية، في حدود وسائله المشروعة، بحيث يترتب على ترك الرذيلة تستشري، والعدالة مختلة -أن يصبح التقصير جريمة شاملة.

وإذن فإن أولئك الذين يؤدون واجباتي الاجتماعية، بدلًا مني، أو أولئك الذين يحملونني على أدائها على الرغم مني -هؤلاء وأولئك لا يفعلون ما يفعلون من أجلي، بل من أجلهم هم، بمقتضى واجب آخر، فليقم من شاء بهذا


١ كان ذلك من أسباب حروب الردة، وقد قال أبو بكر -رضي الله عنه- آنذاك: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها". البخاري, باب وجوب الزكاة. "المعرب".

<<  <   >  >>