للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ١ -فإن الإرادة الإلهية تبدو منظمة في ذاتها، تبعًا لما يتطلبه علم وعدالة معصومين، فهي تتدخل لصالح من يستحق التدخل: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} ٢، ولصالح من يعترف بالفضل: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِين} ٣، والذي يتعطش لتلقيه، فيبدو قلبه أهلًا لاستقباله: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} ٤.

أما الذين هم بعكس ذلك، قد أغلقوا الأعين عن النور، وسدوا آذانهم عن النصيحة الطيبة، فإن الله يذرهم في عماهم وصممهم؛ لأن القادر المقتدر لا يتدخل عبثًا مطلقًا: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِين} ٥، {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} ٦.

وموجز القول، أن الله لا يضل إلا الأشرار، {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} ٧، ولا يهدي غير من يرجع إليه: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيب} ٨.

والتحفظ الثاني:

أنه في كل هذه الظروف الإيجابية والسلبية لم يقل: إن الإرادة الإلهية تؤثر مباشرة على فعلنا الأخلاقي، وإنها تقيد الإرادة الإنسانية، أو تحل محلها، ذلك أن المنح الإيجابية لفضل الله تحتوي -بداهة- من المساندة قدرًا يحفظ جهدنا. إنها الأجنحة التي تساعد أنفسنا على التحليق. ذلك أن الله عز وجل ييسر لعباده المختارين المهمة تيسيرًا واضحًا، حين


١ النحل: ٩٣، وفاطر: ٨.
٢ الفتح: ٢٦.
٣ الأنعام: ٥٣.
٤ الفتح: ١٨.
٥ الزخرف: ٣٦.
٦ الأنفال: ٢٣.
٧ البقرة: ٢٦.
٨ غافر: ١٣.

<<  <   >  >>