للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقراءة الناس: "بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ"، و"بَلِ ادَّارَكَ١"، فذلك ثمانية أوجه:

قال أبو الفتح: "أما بَلَ ادْرَكَ" فعلى تخفيف الهمزة بحذفها، وإلقاء حركتها على اللام الساكنة قبلها، كقولك: في {قَدْ أَفْلَحَ} ٢: "قَدَ افْلَحَ".

وأما "بَلَ ادَّرَكَ"، بفتح اللام فكان قياسه: بَلِ ادَّرَكَ؛ بكسر اللام لسكونها وسكون الدال بعدها، إلا أنه فتحت اللام لأن في ذلك إزالة لالتقاء الساكنين، وعدولا إلى الفتحة لخفتها، كما رُوِّينا عن قطرب: أن منهم من يقول: "قُمَ الليل"٣، وبِيعَ الثوب.

وأما "بَلْ آدْرَكَ" فإن "بل" استئناف، وما بعدها استفهام، كما تقول: أزيد عندك؟ بل أجعفر عندك؟ تركا للأول إلى غيره، لا تراجعا عنه، لكن للانتحاء من بعده على غيره.

وأما "بَلَى" فكأنه جواب، وذلك أنه لما قال: "قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ" فكأن قائلا قال: ما الأمر كذلك، فقيل له: "بلى"، ثم استؤنف فقيل: "آدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ".

وأما "بَلِ ادَّرَكَ" فلا سوال مع كسر اللام؛ لسكونها، وسكون الدال بعدها.

وأما "بَلْ تَدَارَكَ" فإنه أصل قراءة من قرأ: "ادَّارَكَ"؛ وذلك أنه في الأصل تدارك، ثم آثر إدغام التاء في الدال؛ لأنها أختها في المخرج، فقلبها إلى لفظها، وأسكنها، وأدغمها فيها. واحتاج إلى ألف الوصل؛ لسكون الدال بعدها، ومثله: {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ} ٤. {فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} ٥.

ومن ذلك قراءة الأعرج: "رَدَفَ لَكُمْ"٦، بفتح الدال.

قال أبو الفتح: من قال "رَدِف" فهو في وزن تبع، ومن قال: "ردف" فهو بمنزلة تلا، وشفع. والكسر أفصح، وهو أكثر اللغة.


١ هذه قراءة نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف، ووافقهم الأعمش. أما الأولى فقراءة الباقين. وانظر الإتحاف ٢٠٨.
٢ مما وردت فيه سورة المؤمنون: ١.
٣ سورة المزمل: ٢.
٤ سورة النمل: ٤٧.
٥ سورة البقرة: ٧٢.
٦ سورة النمل: ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>