للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك ما رواه ابن مجاهد عن أبي زيد عن أبي السمال: أنه كان يقرأ: "ما بقِي مِن الرِّبُو"١ مضمومة الباء ساكنة الواو.

قال أبو الفتح: في هذا الحرف ضربان من الشذوذ:

أحدهما: الخروج من الكسر إلى الضم بناء لازمًا.

والآخر: وقوع الواو بعد الضمة في آخر الاسم، وهذا شيء لم يأتِ إلا في الفعل نحو: يغزو ويدعو ويخلو، فأما "ذو" الطائية التي بمعنى الذي نحو قوله:

لأَنْتحيا للعظم ذو أنا عارقه٢

فشاذ، وعلى أن منهم مَن يغير هذه الواو إذا فارق الرفع "٣١و" فيقول: رأيت ذا قام وأخوه، ومررت بذي قام أخوه.

وسألت أبا علي عن حكاية أبي زيد "فعلتُه من ذي إلينا"، فقال: أراد من الذي إلينا.

فقلت: فهذا يوجب عليه أن يقول: من ذو إلينا.

فقال -وهو كما قال: قد تغير هذه الواو في النصب والجر، وعلى أن "ذو" هذه لما كانت موصولة وقعت واوها حشوًا فأَشبهت واو طُومار٣، كما أَشبهت عند صاحب الكتاب ياء معديكرب ياء دردبيس٤.

والذي ينبغي أن يُتعلَّل به في الرِّبُو بالواو هو أنه فخَّم الألف انتحاء بها إلى الواو التي الألف بدل منها على حد قولهم: الصلاة والزكاة، وكمشكاة، وكقولهم: عالم وسالم وسالف وآنف، وكأنه بيَّن التفخيم فقوي الصوت فكان الواو أو كاد، إلا أن الراوي أبو زيد، وما أبعده مع علمه وفقهه باللغة من أن تتطرق ظِنَّةٌ عليه في تحصيل ما يسمعه.

فإن قلت: فلعله شبه ذوات العلة بذوات الهمز فوقف على الواو، كما قالوا: هو الرِّدُو والبُطُو٥.

قيل: هذه الواو إنما تكون مع الهمزة في هذا الكَلَو ومررت بالكَلَيْ في موضع الرفع، وموضع


١ من الآية ٢٧٨ من سورة البقرة.
٢ لعارق الطائي، وصدره:
لئن لم تغير بعدما قد صنعتم
لأنتحيا: لأقصدا، عارقه: من عرق العظم إذا أكل ما عليه من اللحم. وانظر: الحماسة لأبي تمام: ٢/ ٣٢٦.
٣ الطومار: الصحيفة.
٤ الدردبيس: الداهية، والشيخ، والعجوز الفانية.
٥ أصلهما الردء والبطء وأصل ما بعدهما الكلأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>