للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الواقع لم يكن الصراع بين بني أمية، وبني العباس وإنما كان بين العرب والفرس، ولما استقر الأمر لني العباس لم يكونوا يتحمسون للعرب ضد الفرس؛ لأن الفرس نصروهم وشيدوا لهم الملك بدمائهم؛ ولأن بعض خلفاء بني العباس كانوا من أمهات فارسيات، لكن كانوا يتحمسون كثيرا لأمر الدين، ولا تأخذهم رحمة في محاربة الزنادقة، وقتلهم والتشهير بهم، وهل كان ذلك من الخلفاء حمية دينية أو فكرة سياسية، هذا ما لا يهمنا البحث فيه الآن. بل الذي يهمنا أن فكرة ظهرت على ألسن بعض العامة، وأشربتها قلوب الخاصة ألا وهي فكرة تفضيل العجم على العرب والحط من شأن الآخرين، وهي المعروفة عند المؤرخين بالشعوبية.

أثر الشعوبية في الحديث:

نمت هذه الفكرة، وترعرعت في القرن الثاني ثم بلغت أوجها في القرن الثالث، وساعد على ظهورها أن خلفاء بني العباس لم يقابلوا العصبية الفارسية بالعصبية العربية، كما كان الحال في الدولة الأموية، بل لم يتعصبوا كثيرا للعربية وإن تعصبوا كثيرا للإسلام كما أشرنا إليه، ولقد انتهز الشعوبيون هذا الضعف من الخلفاء، وحاربوا العرب وعابوهم، وسخروا منهم، وقالوا في ذلك الأشعار والخطب الطوال، وألفوا الكتب في مفاخر العجم، ومثالب العرب ولم يدعوا بابا من أبواب الهجاء إلا طرقوه وستغلوا لهذه النزعة الخبيثة وضع الأحاديث، ورواية الأكاذيب في فضل الفرس وبلدانهم وعلمائهم. كما وضعوا أحاديث في الحط من قيمة العرب وعلمائهم، وإليك بعض هذه الأباطيل التي اختلقوها.

قالوا: لما فتحت خراسان، وتطاول إليها العساكر، واجتمعت أذربيجان والجبال ضاق ذرع عمر بن الخطاب فقال: "ما لي وخراسان، وما بخراسان

<<  <   >  >>