للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعبارات ينشئونها، وأقوال تفي بالمعنى المقصود، ولا يكون ذلك إلا للماهر في لغة العرب وأساليبها العارف بمعاني الشريعة، ومقاصدها حتى لا ينشأ عن الرواية بالمعنى خلل، يذهب بالغرض المقصود من الحديث وفي ذلك من الخطر ما فيه، فإن السنة تبيان للقرآن العزيز، ووحي من رب العالمين وثاني مصادر التشريع، فالخطأ فيها أثره جسيم وخطره عظيم، ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي، فليتبوأ مقعده من النار".

وإنك لتلمس آثار رحمة الله، وحكمته في أن جعل الوحي على قسمين، قسما لا تجوز روايته بالمعنى، بل لا بد فيه من التزام الألفاظ المنزلة، وهو القرآن الكريم وقسما تجوز روايته بالمعنى لمن يستطيع ذلك، وهو السنة النبوية المطهرة وفي ذلك صون الشريعة، والتخفيف عن الأمة، ولو كان الوحي كله من قبيل القرآن الكريم في التزام أدائه بلفظه لشق الأمر، وعظم الخطب ولما استطاع الناس أن يقوموا بحمل هذه الأمانة الإلهية.

ولو كان الوحي كله من قبيل السنة في جواز الرواية بالمعنى، لكان فيه مجال للريب ومثار للشك، ومغمز للطاعنين ومنفذ للملحدين إذ يقولون: لا نأمن خطأ الرواة في أداء الشريعة، ولا نثق بقول نقلة العقائد والأحكام والآداب، ولكن الله جلت حكمته صان الشريعة بالقرآن، ورفع الأصر عن الأمة بتجويز رواية السنة في الحدود السابقة؛ لئلا يكون للناس على الله حجة.

<<  <   >  >>