للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أما أهل السنة فيجعلون أفعال العباد كلها مخلوقة لله تعالى، كما دل عليه قوله عز وجل: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله خالق كل صانع وصنعته " (١) . وعلى هذا مضى إجماعهم، واستقر عقدهم. وليس هذا محل تفصيل هذه المسألة.

المبحث الرابع: الشرك في التدبير والتصرف

وهذا أساس الشرك في الربوبية، وأكثر أنواعه وقوعا في المنتسبين إلى هذه الأمة، خصوصا في الأعصار المتأخرة التي فشا فيها الجهل والابتداع. وإذا كان توحيد الربوبية يتضمن إفراد الله عز وجل بالتدبير والملك والتصرف كما سبق بيانه، فإن اعتقاد امتلاك أحد المخلوقين لنوع من أنواع التدبير يعد ناقضا من نواقض الايمان الجلية.

قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وقال أيضا: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} والآيات في هذا المعنى أكثر من أن تحصر.

وقد استشرى هذا النوع من الشرك في طائفتين من هذه الأمة: الصوفية والروافض.


(١) رواه من حديث حذيفة البخاري في خلق أفعال العباد-برقم: ٩٢ (ص٣٣) وابن أبي عاصم في السنة برقم: ٣٥٧ (ص١٥٨) ، والحاكم وصححه على شرط مسلم، والبزار كما في المجمع (٧/٢٠٠) ، وصححه الألباني في الصحيحة برقم: ١٦٣٧ (٤/١٨١) .

<<  <   >  >>