للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

عَلَيْكُمْ} [النساء: ٢٦]، هَذِه الإِرَادَةُ قد حَصَلَت لِبعضِ النَّاسِ، وبَعضُ النَّاسِ ما حَصَلَت لهم، بَعضُ النَّاسِ لم يَتُوبُوا، بَعضُ النَّاسِ لم يَهتَدُوا، بَعضُ النَّاسِ ما بُيِّنَ لهم شَيءٌ، مَاتُوا على جَهلِهِم وعلى حَالِهِم السَّيِّئَةِ، وبَعضُهم لم تَبلُغْهُمُ الدَّعوَةُ.

هَذِه الإِرَادَةُ الشَّرعيَّةُ مِثلُ قَولِهِ لابنِ آدَمَ يَومَ القِيامَةِ، لِبعضِ المُشرِكِينَ يَومَ القِيَامَةِ، لِلمُشرِكِ: «لو كَانَتْ لَكَ الدُّنيَا بِمَا فِيْهَا كُنْتَ مُفتَدِيًا بِهِ مِنْ عَذَابِ اللهِ؟! فَيقُولُ: نَعَمْ، فَيقُولُ اللهُ: قد أَردْتُ مِنْكَ وأَنتَ في صُلبِ أَبِيكَ مَا هُوَ أَهوَنُ من ذَلكَ فَأَبَيتَ إلا الشِّركَ، أَرَدتُ منكَ أَلَّا تُشرِكَ بِي فَأَبَيْتَ إلا الشِّركَ». أَردتُ مِنكَ، يَعْنِي: شَرعًا، يَعْنِي: أَحبَبتُ منكَ وأَمَرتُكَ.

وهَذِه أُمُورٌ تَخفَى على كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، مَنْ يَغلَطُ فيها لِأجلِ تَشوِيشِ المُعتَزِلَةِ والقَدَرِيَّةِ في هَذَا، فإنَّ القَدَرِيَّةَ والمُعتَزِلَةَ يَنفُونَ المَشِيئَةَ، إمَّا مُطلَقًا وإِمَّا في الشَّرِّ، وبَعضُهُم يَنفِيهَا مُطلَقًا فَيقُولُ: إنَّ العَبدَ يَفعَلُ ما يَشَاءَ ويَختَارُ ما يَشَاءُ من دونِ أنْ يَكُونَ للهِ في ذَلكَ مَشيِئَةٌ، يُريدُونَ -بِزعْمِهِم- بهَذَا التَّنزِيهَ، وأَنَّهم لَمَّا كَانُوا يُعذَّبُونَ لا يُعذَّبُونَ إلا على أَفعَالٍ لهم لَيْسَ للهِ فيها مَشَيئَةٌ. وَأشكَلَ عَلَيهِم كيفَ تَكُونُ مَشِيئَةُ اللهِ ثم يُعاقَبُ عليها العَبدُ؟ فَالتَبَسَ عَلَيهِم الأَمرُ.

وأَهلُ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ أَجمَعُوا على أنَّ الخَيرَ والشَّرَّ كُلَّهُ بِقَدرِ اللهِ، والطَّاعَاتِ والمَعَاصِيَ كُلَّهَا بِقَدرِ اللهِ وكُلَّها بِمشِيئةِ اللهِ الكَونِيَّةِ، وهمُ الفَاعِلُونَ، سَبَقَ في عِلمِ اللهِ أَنَّه يَقَعُ كَذَا ويَقَعُ كَذَا وله مَشِيئَةٌ في ذَلكَ وإِرَادَةٌ وحِكْمَةٌ بَالِغَةٌ، ولكنْ لا يَمنَعُ هَذَا أنَّ العَبدَ فَاعِلٌ مُختَارٌ، فَالعَبدُ فَاعِلٌ مُختَارٌ،

<<  <   >  >>