للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وفي آيات أخرى في سورة "القصص" يقول الله سبحانه: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ. وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ. قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} ١. على آخر الآية.

فقد كفانا الله تعالى إبطال هذه الخصلة الجاهلية بقوله في الآية الأولى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ} , وفي الآية الأخرى بقوله: {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ} ... إلخ, فعلمنا من ذلك محبة الله ورضى الله إنما يكون بطاعته والانقياد لرسله, والإذعان للحق باتباع البرهان.

وأما كثرة المال, وسعة الرزق, وعيش الرخاء, فلا دليل فيه على نجاة المنعم عليه بمثل ذلك, ولو كانت الدنيا وما فيها تعادل عند الله جناح بعوضة ما سقى من عصاه شربة ماء.

قال سبحانه: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} ٢.

وعلى ذلك قول القائل٣:

كم عالم عالم أعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا


١ القصص: ٧٦-٧٨.
٢ الزخرف: ٣٣.
٣ هو ابن الروندي الملحد, كما في "معاهد التنصيص" (١/١٤٧) رقم الشاهد ٢٦, وذكره ياقوت الحموي في "معجم الأدباء" (٦/٢٠٧)

<<  <   >  >>