للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الجرجاني: "التذكير واجب، وإن لم ينفع، والمعنى: فذكر إن نفعت الذكرى أو لم تنفع، فحذف، كما قال تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} (النحل: ٨١) يعني: والبرد، وقيل: إنه مخصوص بأقوام بأعيانهم، وقيل: إنَّ {إِن} بمعنى: ما، أي: فذكر ما نفعت الذكرى، فتكون إن بمعنى: ما، لا بمعنى الشرط؛ لأن الذكرى نافعة بكل حال قاله ابن شجرة.

وذكره بعض أهل العربية أن {إِن} معنى: إذ، أي: إذ نفعت كقوله تعالى: {وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين} (آل عمران: ١٣٩) أي: إذ كنتم فلم يخبر بعلوهم إلا بعد إيمانهم، وقيل بمعنى: قد.

أما الفخر الرازي، فقد قال في قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى} (الأعلى: ٩) هنا سؤالات:

السؤال الأول: أنه -عليه السلام- كان مبعوثًا إلى الكل، فيجب عليه أن يذكرهم سواء نفعتهم الذكرى أو لم تنفعهم، فما المراد من تعليقه على الشرط {إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى} (الأعلى: ٩)؟

الجواب: أن المعلق بإن على الشيء لا يلزم أن يكون عدمًا عند عدم ذلك الشيء، ويدل عليه آيات منها هذه الآية، ومنها قوله تعالى: {وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} (النور: ٣٣)، ومنها قوله تعالى: {وَا شْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون} (البقرة: ١٧٢)، ومنها قوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ} (النساء: ١٠١) فإن القصر جائز وإن لم يوجد الخوف، ومنها قوله تعالى: {وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} (البقرة: ٢٨٣) والرهن جائز مع الكتابة، ومنها قوله تعالى: {فَل اَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ الله ِ} (البقرة: ٢٣٠) والمراجعة جائزة بدون هذا الظن.

إذا عرفت هذا، فنقول: ذكروا لذكر هذا الشرط {إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى} فوائد:

<<  <   >  >>