إِذَا نَسِيتَ الِاسْتِثْنَاءَ ثُمَّ ذَكَرْتَ فَاسْتَثْنِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَيَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَى سَنَةٍ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا غَضِبْتَ وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: هَذَا فِي الصَّلَاةِ؛ أَيْ إِذَا نَسِيتَ الصَّلَاةَ فَصَلِّهَا مَتَى ذَكَرْتَهَا.
وَأَمَّا كَلَامُ صَاحِبُ " الْمَنَازِلِ ": فَيُحْمَلُ عَلَى الْإِشَارَةِ لَا عَلَى التَّفْسِيرِ. فَذَكَرَ أَرْبَعَ مَرَاتِبَ:
إِحْدَاهَا: أَنْ يَنْسَى غَيْرَ اللَّهِ وَلَا يَنْسَى نَفْسَهُ لِأَنَّهُ نَاسٍ لِغَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ نَاسِيًا إِلَّا وَنَفْسُهُ بَاقِيَةٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ نَاسٍ بِهَا لِمَا سِوَى الْمَذْكُورِ.
الثَّانِيَةُ: نِسْيَانُ نَفْسِهِ فِي ذِكْرِهِ، وَهِيَ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: وَنَسِيتَ نَفْسَكَ فِي ذِكْرِكَ. وَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ: ذِكْرُهُ مَعَهُ لَمْ يُنْسِهِ.
فَقَالَ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ: ثُمَّ نَسِيتَ ذِكْرَكَ فِي ذِكْرِهِ. وَهِيَ مَرْتَبَةُ الْفَنَاءِ.
ثُمَّ قَالَ فِي الْمَرْتَبَةِ الرَّابِعَةِ: ثُمَّ نَسِيتَ فِي ذِكْرِ الْحَقِّ إِيَّاكَ كُلَّ ذِكْرٍ. وَهَذَا الْفَنَاءُ بِذِكْرِ الْحَقِّ عَبْدَهُ عَنْ ذِكْرِ الْعَبْدِ رَبَّهُ.
فَأَمَّا الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى: فَهِيَ أَوَّلُ دَرَجَاتِ الذِّكْرِ وَهِيَ أَنْ تَنْسَى غَيْرَ الْمَذْكُورِ وَلَا تَنْسَى نَفْسَكَ فِي الذِّكْرِ، وَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ: لَمْ يَذْكُرْهُ بِتَمَامِ الذِّكْرِ إِذْ لِتَمَامِهِ مَرْتَبَتَانِ فَوْقَهُ:
إِحْدَاهُمَا: نِسْيَانُ نَفْسِهِ، وَهِيَ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ فَيَغِيبُ بِذِكْرِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَيُعْدَمُ إِدْرَاكَهَا بِوِجْدَانِ الْمَذْكُورِ.
الثَّانِيَةُ: نِسْيَانُ ذِكْرِهِ فِي ذِكْرِهِ، كَمَا سُئِلَ ذُو النُّونِ عَنِ الذِّكْرِ فَقَالَ: غَيْبَةُ الذَّاكِرِ عَنِ الذِّكْرِ، ثُمَّ أَنْشَدَ:
لَا لِأَنِّي أَنْسَاكَ أُكْثِرُ ذِكْرَا كَ ... وَلَكِنْ بِذَاكَ يَجْرِي لِسَانِي
وَهَذِهِ هِيَ الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ.
فَفِي الْأُولَى: فَنِيَ عَمَّا سِوَى الْمَذْكُورِ وَلَمْ يَفْنَ عَنْ نَفْسِهِ. وَفِي الثَّانِيَةِ: فَنِيَ عَنْ نَفْسِهِ دُونَ ذِكْرِهِ. وَفِي الثَّالِثَةِ: فَنِيَ عَنْ نَفْسِهِ وَذِكْرِهِ.
وَبَقِيَ بَعْدَ هَذَا مَرْتَبَةٌ رَابِعَةٌ وَهِيَ: أَنْ يَفْنَى بِذِكْرِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ لَهُ عَنْ كُلِّ ذِكْرٍ، فَإِنَّهُ مَا ذَكَرَ اللَّهَ إِلَّا بَعْدَ ذِكْرِ اللَّهِ لَهُ، فَذِكْرُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ سَابِقٌ عَلَى ذِكْرِ الْعَبْدِ لِلرَّبِّ فَفِي