وَقَالَ الْجُنَيْدُ: الْخُشُوعُ تَذَلُّلُ الْقُلُوبِ لِعَلَّامِ الْغُيُوبِ.
وَأَجْمَعَ الْعَارِفُونَ عَلَى أَنَّ الْخُشُوعَ مَحَلُّهُ الْقَلْبُ، وَثَمَرَتُهُ عَلَى الْجَوَارِحِ، وَهِيَ تُظْهِرُهُ، «وَرَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَعْبَثُ بِلِحْيَتِهِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ» «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّقْوَى هَاهُنَا وَأَشَارَ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: حُسْنُ أَدَبِ الظَّاهِرِ عُنْوَانُ أَدَبِ الْبَاطِنِ، وَرَأَى بَعْضُهُمْ رَجُلًا خَاشِعَ الْمَنْكِبَيْنِ وَالْبَدَنِ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ، الْخُشُوعُ هَاهُنَا، وَأَشَارَ إِلَى صَدْرِهِ، لَا هَاهُنَا، وَأَشَارَ إِلَى مَنْكِبَيْهِ.
وَكَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ حُذَيْفَةُ، يَقُولُ: إِيَّاكُمْ وَخُشُوعَ النِّفَاقِ، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا خُشُوعُ النِّفَاقِ؟ قَالَ: أَنْ تَرَى الْجَسَدَ خَاشِعًا وَالْقَلْبُ لَيْسَ بِخَاشِعٍ، وَرَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلًا طَأْطَأَ رَقَبَتَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: يَا صَاحِبَ الرَّقَبَةِ، ارْفَعْ رَقَبَتَكَ، لَيْسَ الْخُشُوعُ فِي الرِّقَابِ، إِنَّمَا الْخُشُوعُ فِي الْقُلُوبِ، وَرَأَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا شَبَابًا يَمْشُونَ وَيَتَمَارَوْنَ فِي مِشْيَتِهِمْ، فَقَالَتْ لِأَصْحَابِهَا: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالُوا: نُسَّاكٌ، فَقَالَتْ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا مَشَى أَسْرَعَ، وَإِذَا قَالَ أَسْمَعَ، وَإِذَا ضَرَبَ أَوْجَعَ، وَإِذَا أَطْعَمَ أَشْبَعَ، وَكَانَ هُوَ النَّاسِكَ حَقًّا، وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: كَانَ يُكْرَهُ أَنْ يُرِيَ الرَّجُلُ مِنَ الْخُشُوعِ أَكْثَرَ مِمَّا فِي قَلْبِهِ، وَقَالَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الْخُشُوعُ، وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الصَّلَاةُ، وَرُبَّ مُصَلٍّ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَيُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ الْجَمَاعَةِ فَلَا تَرَى فِيهِمْ خَاشِعًا، وَقَالَ سَهْلٌ: مَنْ خَشَعَ قَلْبُهُ لَمْ يَقْرَبْ مِنْهُ الشَّيْطَانُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute