ثم تابعت البحث، فوجدت له طريقاً أخرى من رواية مبارك بن سعيد -أخي سفيان بن سعيد-: ثنا سعيد بن مسروق عن أيوب بن كريز عن عبد الرحمن بن غَنْم عن معاذ بن جبل ... الحديث مطولاً، وفيه الطرف.
أخرجه الطبراني (٢٠/٧٣-٧٤) من طريقين عنه.
وهذا إسناد رجاله ثقات من رجال التهذيب؛ غير أيوب بن كريز هذا؛ فإنه لا يعرف إلا في هذه الرواية، ومع ذلك ذكره ابن حبان في الثقات (٦/٥٤) ! فهو مستور، فيقوى حديثه بمتابعة شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم به.
أخرجه أحمد (٥/٢٣٥، ٢٣٦، ٢٤٥) مطولاً ومختصراً] .
وصحح الشيخ الألباني -رحمه الله- جزءً منه في صحيح موارد الظمآن حيث أورده فيه (١/١٠٥رقم٢٠) : [عن معاذ بن جبل، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قلت: حدثني بعمل يدخلني الجنة؟ قال: ((بخٍ بخٍ! سألتَ عن أمر عظيم، وهو يسير لمن يسره الله عليه: تقيم الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة المفروضة، ولا تشرك بالله شيئاً)) .
حسن صحيح-التعليق على "الإيمان" لابن أبي شيبة (٢/٢-٣) ، التعليق على الإحسان (١/٢١٨) ] انتهى النقل من صحيح الموارد.
٤/ التعليق:
أ/ كان الشيخ -رحمه الله- من قبلُ قد صحح حديث معاذ بطوله في تعليقه على الإيمان لابن أبي شيبة (ص/١٦رقم١-٢) -وقد رواه ابن أبي شيبة من طريق عروة بن النزال ومن طريق ميمون بن أبي شبيب كلاهما عن معاذ- فقال: [حديث صحيح بالطريق التي بعده، ورجاله ثقات رجال الشيخين غير عروة بن النزال، وثقه ابن حبان (١/١٥٨) فقط. وأخرجه الترمذي من طريق أبي وائل عن معاذ وقال: "حديث حسن صحيح"] .
وأظن أن الشيخ -رحمه الله- قد صدر منه هذا التصحيح الذي في تعليقه على الإيمان قبل دراسته لطرقه بدقة؛ وذلك لأن الشيخ -رحمه الله- قد خرجه بتوسع في كتاب الإرواء -من طريق أبي وائل، وعروة بن النزال، وميمون بن أبي شبيب: وكلهم لم يسمع من معاذ كما بينه الشيخ الألباني هناك- وقال: [هذا ويتلخص مما تقدم أن جميع الطرق منقطعة في مكان واحد منها غير هذه الطريق، وأحد طريقي شهر بن حوشب فهي تقوي هذه، وأما الطرق الأخرى فلا يمكن القول فيها أنه يقوي بعضها بعضاً، لأن جميعها متحدة العلة وهي سقوط تابعيها منها ويجوز أن يكون واحداً، وعليه فهي حينئذٍ في حكم الطريق الواحد، ويجوز أن يكون التابعي مجهولاً والله أعلم.
وخلاصة القول: أنه لا يمكن القول بصحة شيء من الحديث إلا هذا القدر الذي أراده المصنف لمجيئه من طريقين متصلين يقوي أحدهما الآخر والله أعلم] انتهى.
فهذا يدل على تراجع الشيخ عما علقه على كتاب الإيمان لابن أبي شيبة.
ثم تراجع الشيخ -رحمه الله- عن تراجعه فحسنه لوقوفه على الطريق الأخرى التي عزاها للطبراني.
وصححه لغيره في صحيح الترغيب والترهيب (رقم٢٨٦٦) .
ب/ الطريق التي ذكر الشيخ أنها عند الطبراني (٢٠/٧٣-٧٤) خرجها أيضاً باختصار: البخاري في التاريخ الكبير (٧/٤٢٦) ، وابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (١/٢١٩) ، وعلقها الدارقطني في العلل (٦/٧٨) والبيهقي في الشعب (٤/٢٤٨) .
ج/ كلام الشيخ الألباني -رحمه الله- الذي ذكره في الإرواء بأن الطرق إذا كانت منقطعة في مكان واحد أنها تكون في حكم الطريق الواحد لاتحاد العلة كلام فيه نظر.
وهو منقوض بالمرسل.
وإنما يكون كلامه -رحمه الله- متجهاً إذا كان الذي أرسلوه عن معاذ متحدي الشيوخ فيحتمل أن يكون واحداً كما قالوا ذلك في المرسل.
وهذا منتفٍ هنا.
فقد أرسله عن معاذ: أبو وائل، وميمون بن أبي شبيب، وشهر -في بعض الروايات-، وعروة بن النَّزال، ومكحول.
وثمة اختلاف بينهم في الشيوخ فاحتمال أخذهم الحديث من شيخ واحد يكون مجهولاً أو ضعيفاً مما يجزم ببطلانه.
نعم قد يكون مرده هنا إلى راوٍ واحد ولكن ليس بقرينة الشيوخ، ولكن بقرينة أخرى وهي الطرق المتعددة المروية عن عبد الرحمن بن غنم؛ فيكون هو الواسطة بينه وبين من أرسله ممن روى عنه أو بواسطة عنه لمن لم يرو عنه.
لا سيما وأن شهراً صرح بأنه أخذه من عبد الرحمن بن غنم، وهذا من طريق عبد الحميد بن بهرام، وقد حسن الإمام أحمد روايته عن شهر، وتابعه أيوب بن كريز، وهو وإن كان مجهولاً إلا أنَّه صالح هنا -إن شاء الله تعالى- للمتابعة، وتابعه أيضاً عمير بن هانئ وهو ثقة ومتابعته عند ابن حبان في صحيحه.
مما يقوي القول بأنَّ حديث معاذ -رضي الله عنه- إنما حدث به صاحبه وجليسه وملازمه عبد الرحمن بن غنم وعنه اشتهر بين التابعين ومداره عليه وهو ثقة إمام لا يسأل عن مثله.
فيظهر لي أنه حديث صحيح بطوله بهذه الطرق والمتابعات -وهو ما رجحه الشيخ الألباني أخيراً-، وأن مداره -على غالب الظن- على عبد الرحمن بن غنم. والله أعلم.
الحديث الرابع عشر
١/ متنه: عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى))