للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقع ابنُ يزدَاد إِلَى عَامل: مَا بُين لنا مِنْك حُسنُ أثر، وَلَا يأتينا عَنْك سَار حبرٍ وَأَنت - مَعَ ذَلِك دائباً - تمدحُ نفسَك، وتصف كفايتك والتصفحُ لأفعَالِكَ يكذبُك، والتتبُّع لآثارك يردُّ قولَك، وَهَذَا الفعلُ إِن اتكلتَ عَلَيْهِ، وأخلدتَ إِلَيْهِ، أعْلقكَ الذّمَّ، وألحقكَ الْعَجز، فليكُن رائِدُ قولِك مصدِّقاً لموجودِ فِعْلِكَ إِن شَاءَ اللهُ. قَالَ أَبُو العْيناء: سمعتُ الْحسن بن سهل يقولُ: كانَ أنُوشروانَ لَهُ أَرْبَعَة خواتيمَ: خاتمٌ للخَراج، نَقشُه العدْلُ، وخاتمٌ للضّياه نقشهُ العمارةُ، وخاتمٌ للمعونةِ نقشُه الأناةُ، وخاتمُ للبريد نقشُهُ الرجاءُ، وَمَا نحنُ مِن هَذَا فِي شَيْء. اعتل بعضُ إخْوَان الْحسن بن سهل، فَكتب الحسنُ إِلَيْهِ: أجدني وَإِيَّاك كالجسم الواحِدِ إِذا خص عضوا مِنْهُ ألمٌ عمَّ سائِرَه فعَافاني الله بعافيتِك وأدام لي الإمتاع بك. كتب مُحَمَّد بن عبد الْملك الزيات إِلَى إبراهيمَ بن الْعَبَّاس الصُّولي: قلةُ نَظرك لنفسِكَ حرَمتك سَناء المنزلةِ، وإغفالُك حظَّك حَطَّكَ عَن أعْلى الدرجَة، وجهلُك بِقدر النِّعْمةِ أحلَّ بكَ البأُس والنِّقَمةَ حَتَّى صرتَ من قُوّة الْأَلَم معْتاضاً شِدّةَ الوَجَل، وَمن رجاءِ الغدِ متعرِّضاً يأْسَ الأبَد، وركبتَ مطيَّة المخافةِ بعد مَجْلس الْأَمْن والكرامةِ، وصرتَ معرَّضاً للرحمة بَعْدَمَا تكنَّفتْك الغبطةُ. وَقد قَالَ الشَّاعِر: إِذا مَا بدأتَ أمرأ جَاهِلا ... ببرٍّ فقصرَ عَن جهلِه ولمْ ترهُ قَابلا للجميل ... وَلَا عَرفْ الْفضل من أَهله فسِمهُ الهوانَ فَإِن الهوان ... دواءُ لذِي الْجَهْل مِنْ جُهله قد فهمتُ كتابك، وإغراقَك، وإطنابك، وَإِضَافَة مَا أضفتَ بتزويق الْكتب بالأقلام، وَفِي كِفَايَة الله غنى عَنْك يَا إبراهيمُ، وعِوضٌ مِنْك، وَهُوَ حَسُبنا وَنعم الْوَكِيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>