وأما التي بالجمع فإن المذكور منه في الكتاب الجمع بين الأختين، سواء كانتا بنسب أو برضاع، حرتين كانتا أو أمتين، أو إحداهما حرة والأخرى أمة، من الأبوين كانتا أو من أب أو أم، وسواء في هذا ما قبل الدخول أو بعده لعموم قوله تعالى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ}(١). الآية.
(٢) وقوله: وحرم العقد وإن فسد إن لم يجمع عليه، بريد به أن مجرد العقد ينشر حرمة المصاهرة، ولو كان فاسدًا فسادًا لم يجمع عليه؛ كفساد نكاح الشغار ونكاح المحرم.
(٣) وقوله: وإلا فوطؤه، تقريره بأن مجرد العقد الفاسد فسادًا مجمعًا عليه لا ينشر حرمة المصاهرة، وإنما ينشرها إن وطئ بموجب ذلك العقد وهو غير عالم بفساده. والحاصل أن كل وطء يدرأ به الحد تنشر الحرمة بسببه ويلحق به الولد، وإن كل وطء لا يدرأ الحد لا ينشر الحرمة؛ لأن المعدوم شرعًا كالمعدوم حسًا.
وقوله: وفي الزنا خلاف؛ أي هل ينشر وطؤه الحرمة أو لا؟. المعتمد عند أصحابنا أنه لا ينشر الحرمة، لأنه معدوم شرعًا فلا أثر له؛ فيجوز لمن زنا بامرأة أن يتزوج فروعها وأصولها، ولأبيه وابنه تزوجها. والله الموفق. روي ذلك عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن المسيب ويحيى بن يعمر، وعُروة والزهري ومالك والشافعي، وأبو ثور وابن المنذر لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ". ا. هـ. المغني.
وقوله: وإن حَاولَ تلذذًا بزوجته فتلذذ بابنتها فتردد، يريد به - والله تعالى أعلم - أن الزوج إن أراد أن يتلذذ بزوجته، فتلذذ بابنتها منه أو من غيره، ظانًا أنها زوجته، فإن أصحابنا ترددوا في هذا التلذذ؛ هل ينشر الحرمة فيتأبد تحريم زوجته عليه. أو لا؟ هذا التردد أدَّى إليه الاشتباه في هذا الوطء؛ هل يعتبر وطء شبهة أو لا؟. ولا خلاف أن وطء الشبهة ينشر الحرمة ويدرأ الحد، ولكنهم عرفوا وطء الشبهة بأنه هو الوطء غلطًا فيمن تحل في المستقبل. ولذا كان وطء أخت الزوجة غلطًا محرمًا بناتها على زوج أختها الواطئ لها غلطًا؛ لأنها تحل عليه في المستقبل. ولما كان وطء البنت غلطًا وطئًا فيمن لا تحل في المستقبل، جرى تردد أصحابنا في نشره الحرمة أو لا؟. لكنهم شهروا التحريم. وبالله التوفيق.