وكيف السبيل إلى الوصول إلى تطبيق مفاد هذه الأحاديث التي يقرأها ولا يجد بينها اتفاقاً.
وكذا لا يجهل أحد مدى ما يكنه أعداء الإسلام لنا، وما يدبرونه من كيد وحرب، فهم يشككون في أصول ديننا، ويحاولون أن يطعنوا في نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فهم يجتهدون في دراسة سنته وأقواله، لا ليقتدوا ويهتدوا؛ وإنما ليصدوا ويضللوا.
فما أكثر ما نسمع عن طعنهم في السنة النبوية، بأنها متناقضة في كثير من مبادئها وتشريعاتها، ويستشهدون لشبهتهم ببعض الأحاديث التي يظهر منها التعارض، وتوهم التناقض.
فكان هذا البحث مما يسد حاجة المسلم، ويرفع عنه معاناته، ويدحض كيد الكافر، ويرد شبهاته.
فقد أكد لكل أحد أنه لا تعارض أصلا بين حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإنما هو مجرد وهم، فالأحاديث إما أن يكون بعضها ناسخا لبعض، وإما أن يكون بعضها راجحا على الآخر، وإما أن يجمع بينها فيكون لكل حديث مقامه وحاله.
وقد بحثت في هذا الكتاب -كتاب الطهارة- تسعا وعشرين مسألة، تعارض فيها خمسة عشر ومائة حديث، وكان حل تعارض كل مسألة لا يخرج عن أن يكون بأحد الأمور الثلاثة المتقدمة: النسخ، أو الترجيح، أو الجمع.
وإذ قد تم إنهائي لهذا البحث، وتبين لي فوائده وقيمته البالغة لي ولغيري، فإني أهيب بإخواني وأخواتي الباحثين والباحثات من طلبة العلم أن لا يدعوا هذا الباب مغلقاً، بل عليهم أن يشمروا عن ساعد الجد والطلب، فيكملوا البحث في المسائل المتبقية، ويجمعوا ويستقصوا الأحاديث الموهمة للتعارض ليصلوا بأنفسهم وبأمتهم إلى ما ترنوا إليه من عز ومنعة للإسلام والمسلمين.
والله أسأل أن يعلمنا ما جهلنا، ويجعلنا من المتفقهين في الدين العاملين بعلمهم، والداعين إلى صراط مستقيم.