للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يَحْتَاجُ إلَى مُعَاطَاةٍ فِي تَعَلُّمِهِ، وَمُعَانَاةٍ فِي تَصَوُّرِهِ، فَصَارَ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ مِنْ الْمَعْلُومَاتِ الْفِكْرِيَّةِ. وَالْآخَرُ إنَّمَا هُوَ صِنَاعَةُ كَدٍّ وَآلَةُ مِهْنَةٍ. وَهِيَ الصِّنَاعَةُ الَّتِي تَقْتَصِرُ عَلَيْهَا النُّفُوسِ الرَّذِلَةُ، وَتَقِفُ عَلَيْهَا الطِّبَاعُ الْخَاسِئَةُ.

كَمَا قَالَ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيٍّ: لِكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةٍ، وَكَمَا قَالَ الْمُتَلَمِّسُ:

وَلَا يُقِيمُ عَلَى ضَيْمٍ يُسَامُ بِهِ ... إلَّا الْأَذَلَّانِ عَيْرُ الْحَيِّ وَالْوَتِدُ

هَذَا عَلَى الْخَسْفِ مَرْبُوطٌ بِرُمَّتِهِ ... وَذَا يُشَجُّ فَلَا يَرْثِي لَهُ أَحَدُ

وَأَمَّا الصِّنَاعَةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الْفِكْرِ وَالْعَمَلِ فَقَدْ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ صِنَاعَةُ الْفِكْرِ أَغْلَبَ وَالْعَمَلُ تَبَعًا كَالْكِتَابَةِ.

وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ صِنَاعَةُ الْعَمَلِ أَغْلَبَ وَالْفِكْرُ تَبَعًا كَالْبِنَاءِ.

أَعْلَاهُمَا رُتْبَةً مَا كَانَتْ صِنَاعَةُ الْفِكْرِ أَغْلَبُ عَلَيْهَا وَالْعَمَلُ تَبَعًا لَهَا. فَهَذِهِ أَحْوَالُ الْخَلْقِ الَّتِي رَكَّبَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا فِي ارْتِيَادِ مَوَادِّهِمْ، وَوَكَلَهُمْ إلَى نَظَرِهِمْ فِي طَلَبِ مَكَاسِبِهِمْ، وَفَرَّقَ بَيْنَ هِمَمِهِمْ فِي الْتِمَاسِهِمْ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِأُلْفَتِهِمْ، فَسُبْحَانَ مَنْ تَفَرَّدَ فِينَا بِلُطْفِ حِكْمَتِهِ، وَأَظْهَرَ فِطَنَنَا بِعَزَائِمِ قُدْرَتِهِ.

وَإِذْ قَدْ وَضَحَ الْقَوْلُ فِي أَسْبَابِ الْمَوَادِّ وَجِهَاتِ الْكَسْبِ، فَلَيْسَ يَخْلُو حَالُ الْإِنْسَانِ فِيهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَطْلُبَ مِنْهَا قَدْرَ كِفَايَتِهِ، وَيَلْتَمِسَ وَفْقَ حَاجَتِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَدَّى إلَى زِيَادَةٍ عَلَيْهَا، أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى نُقْصَانٍ مِنْهَا. فَهَذِهِ أَحَدُ أَحْوَالُ الطَّالِبِينَ، وَأَعْدَلُ مَرَاتِبِ الْمُقْتَصِدِينَ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيَّ كَلِمَاتٍ فَدَخَلْنَ فِي أُذُنِي وَوَقَرْنَ فِي قَلْبِي: مَنْ أَعْطَى فَضْلَ مَالِهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكَ فَهُوَ شَرٌّ لَهُ، وَلَا يَلُمْ اللَّهُ عَلَى كَفَافٍ» . وَرَوَى حُمَيْدٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جنيدة قَالَ: قُلْت: «يَا

<<  <   >  >>