إنَّ الصَّنِيعَةَ لَا تَكُونُ صَنِيعَةً ... حَتَّى يُصَابَ بِهَا طَرِيقُ الْمَصْنَعِ
فَإِذَا صَنَعْتَ صَنِيعَةً فَاعْمَلْ بِهَا ... لِلَّهِ أَوْ لِذَوِي الْقَرَابَةِ أَوْ دَعْ
وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: لَا خَيْرَ فِي مَعْرُوفٍ إلَى غَيْرِ عَرُوفٍ. وَقَدْ ضَرَبَ الشَّاعِرُ بِهِ مَثَلًا قَالَ:
كَحِمَارِ السُّوءِ إنْ أَشْبَعْتَهُ ... رَمَحَ النَّاسَ وَإِنْ جَاعَ نَهَقْ
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: عَلَى قَدْرِ الْمَغَارِسِ يَكُونُ اجْتِنَاءُ الْغَارِسِ، فَأَخَذَهُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فَقَالَ:
لَعَمْرُك مَا الْمَعْرُوفُ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ ... وَفِي أَهْلِهِ إلَّا كَبَعْضِ الْوَدَائِعِ
فَمُسْتَوْدَعٌ ضَاعَ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ ... وَمُسْتَوْدَعٌ مَا عِنْدَهُ غَيْرُ ضَائِعِ
وَمَا النَّاسُ فِي شُكْرِ الصَّنِيعَةِ ... عِنْدَهُمْ وَفِي كُفْرِهَا إلَّا كَبَعْضِ الْمَزَارِعِ
فَمَزْرَعَةٌ طَابَتْ وَأَضْعَفَ نَبْتُهَا ... وَمَزْرَعَةٌ أَكْدَتْ عَلَى كُلِّ زَارِعِ
وَأَمَّا مَنْ أُسْدِيَ إلَيْهِ الْمَعْرُوفُ وَاصْطُنِعَ إلَيْهِ الْإِحْسَانُ فَقَدْ صَارَ بِأَسْرِ الْمَعْرُوفِ مَوْثُوقًا، وَفِي مِلْكِ الْإِحْسَانِ مَرْقُوقًا، وَلَزِمَهُ، إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمُكَافَأَةِ، أَنْ يُكَافِئَ عَلَيْهَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا أَنْ يُقَابِلَ الْمَعْرُوفَ بِنَشْرِهِ، وَيُقَابِلَ الْفَاعِلَ بِشُكْرِهِ. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَوْدَعَ مَعْرُوفًا فَلْيَنْشُرْهُ فَإِنْ نَشَرَهُ فَقَدْ شَكَرَهُ، وَإِنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ» . وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا أَتَمَثَّلُ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ:
ارْفَعْ ضَعِيفَك لَا يَخُونُك ضَعْفُهُ ... يَوْمًا فَتُدْرِكُهُ الْعَوَاقِبُ قَدْ نَمَا
يُجْزِيك أَوْ يُثْنِي عَلَيْكَ وَإِنَّ مَنْ ... أَثْنَى عَلَيْكَ بِمَا فَعَلْت فَقَدْ جَزَى
فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: رُدِّي عَلَيَّ قَوْلَ الْيَهُودِيِّ - قَاتَلَهُ اللَّهُ - لَقَدْ أَتَانِي جَبْرَائِيلُ بِرِسَالَةٍ مِنْ رَبِّي تَعَالَى: أَيُّمَا رَجُلٍ صَنَعَ إلَى أَخِيهِ صَنِيعَةً فَلَمْ يَجِدْ لَهَا جَزَاءً إلَّا الدُّعَاءَ وَالثَّنَاءَ فَقَدْ كَافَأَهُ» . وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: الشُّكْرُ قَيْدُ النِّعَمِ.
وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: مَنْ لَمْ يَشْكُرْ الْإِنْعَامَ فَاعْدُدْهُ مِنْ الْأَنْعَامِ. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ